بالاعتقاد الّذي ذكروه ، أنه صارف لهم ، فإذن لا يجب خلو مخالفينا من هذه العلوم لأجل ما ادعى من الاعتقاد.
وقيل : إنه صارف ، لأنا قد بينا أنه غير ممتنع أن يكون العلم بما قلناه قد سبقه وتقدم عليه ، ويلزم على هذا الوجه أن لا يكون أبو القاسم البلخي عالما بأن المحدثات تفتقر إلى محدث ، لأنه يعتقد أن العلم بذلك ضروري ، واعتقاده ذلك صارف له عن النّظر ، فيجب أن لا يكون عالما بذلك ، ويجوز أن يكون غير عارف بالله تعالى وصفاته وأحواله! فأي شيء قالوه فيه (١) قلنا مثله فيما تعلقوا به.
وفي الناس من قال : إن العلم الحاصل عند الإخبار متولد عنها ، وهو من فعل فاعل الأخبار.
والّذي يدل على بطلان هذا المذهب ، أنه لو كان العلم الحاصل عند الإخبار متولدا لوجب أن يتولد عن خبر آخر المخبرين (٢)* ، لأن العلم عند ذلك يحصل ، فلو كان كذلك لوجب أن يكون لو أخبرنا (٣)* ابتداء أن يحصل لنا العلم بخبره ، لأن خبره هو الموجب للعلم ، وكان يجب إذا أخبرنا عما يعلم باستدلال أيضا أن يحصل لنا العلم به ، كما يحصل لنا العلم بما يعلم ضرورة ، لأن خبره هو الموجب ، واختلاف حاله في كونه عالما ضرورة واستدلالا يؤثر في ذلك ، فإذا بطل ذلك ثبت ما قلناه.
فإن قيل : إذا جوزتم حصول هذا العلم ضرورة فما شرائطه؟ وهل هي التي راعاها البصريون أم لا؟
قيل : الشرائط التي اعتبروها ، نحن نعتبرها ونعتبر شرطا آخر لا يعتبرونه ، فالشرائط التي اعتبروها هي :
__________________
(١) أي في البلخي.
(٢) * لأنه لو تولد من المجموع لكان فاعله مجموع المخبرين وهو باطل ، لأنه لو أخبر المخبر الأول ومات ثم أخبر الباقون يحصل العلم مع أن الفاعل يجب وجوده في زمان حدوث الأثر بالاتفاق.
(٣) * هذا مبني على ما ذهبوا إليه من أن شخص الفعل المولد ـ بالكسر ـ لو وجد وجد الفعل المولد ـ بالفتح ـ من غير توقف على شرط منتظر أو معد خارج عن مشخصات المولد ـ بالكسر ـ.