البلدان ، والحوادث العظام ، ومعلوم ضرورة الاشتراك في ذلك.
ومنها : أن حد العلم الضروري قائم في العلم بمخبر الأخبار ، ولأنا لا نتمكن من إزالة ذلك عن نفوسنا ولا التشكيك فيه ، وهذا حد العلم الضروري.
ومنها : أن (١) من ذهب إلى أن هذا العلم ضروري صارف عن النّظر فيه والاستدلال عليه ، فكان يجب أن يكون كل من اعتقد أن هذا العلم ضروري ، غير عالم بمخبر هذه الأخبار لأن اعتقاده يصرفه عن النّظر ، فكان يجب خلو جماعتنا من العلم بالبلدان وما أشبهها ، ومعلوم ضرورة خلاف ذلك.
فيقال لهم فيما تعلقوا به أولا : إن طريق اكتساب العلم بالفرق بين الجماعة التي لا يجوز أن تكذب في خبرها ، وبين من يجوز ذلك عليه قريب لا يحتاج إلى دقيق النّظر وطويل التأمل ، وكل عاقل يعرف بالعادات الفرق بين الجماعة التي قضت العادات بامتناع الكذب عليها فيما ترويه ، وبين من ليس كذلك ، والمنافع الدنيوية من التجارات وضروب التصرفات مبنية على حصول هذا العلم ، فهو مستند إلى العادة ، ويسير التأمل كاف في ذلك ، فلا يجب في المقلدين والعامة إلا يعلموا مخبر هذه الأخبار من حيث لم يكونوا أهل تحقيق وتدقيق لما ذكرناه.
ويقال لهم فيما تعلقوا به ثانيا : لا نسلم لكم أن حد العلم الضروري هو ما يمتنع على العالم دفعه عن نفسه ، بل حده ما فعله فينا من هو أقدر منا على وجه لا يمكننا دفعه عن أنفسنا ، ولا ينبغي أن يجعلوا ما تفردوا به من الحد دليلا على موضع الخلاف.
ويقال لهم فيما تعلقوا به ثالثا : إن العالم بالفرق بين صفة الجماعة التي لا يجوز عليها الكذب لامتناع التواطؤ عليها ، واستحالة الكذب منها كالملجإ عند كمال عقله ، وحاجته إلى التفتيش والتصرف إلى العلم بذلك والدواعي إليه قوية ، والبواعث على فعله متوفرة ، وقد حصل للعقلاء هذا العلم. وهذا الفرق قبل أن يختص بعضهم
__________________
(١) أن اعتقاد من ذهب.