يفعل بمجرى العادة عند إخبار جماعة مخصوصة؟
وليس له أن يدعي : أن ذلك غير مقدور له تعالى ، كما يقول : إن العلم بذاته تعالى لا يوصف بالقدرة عليه ، لأنه يذهب إلى أن العلم بالمدركات قد يكون من فعل الله تعالى على بعض الوجوه ، وليس يفعل العلم بذلك إلا وهو في مقدوره. وليس كذلك على مذهبه العلم بذاته تعالى لأنه لا يصح وقوعه منه على وجه من الوجوه ، وعلى هذا أي فرق بين أن يفعل العلم بالمدرك عند إدراكه ، وبين أن يفعل هذا العلم بعينه عند بعض الأخبار عنه؟ وإنما لم يجز أن يكون المشاهد مستدلا عليه ، لأن المشاهد معلوم ضرورة للكامل العقل.
ولا (١) يصح أن يستدل وينظر فيما يعلمه ، لأن من شرط صحة النّظر ارتفاع العلم بالمنظور إليه.
وأما الشبهة الثانية : فبعيدة عن الصواب ، لأنها مبنية على الدعوى ، لأن خصومه لا يسلمون أن العلم بمخبر الأخبار عن البلدان وما جرى مجراها يقع عقيب التأمل لصفات المخبرين ، بل يقولون إنه يقع من غير تأمل لأحوال المخبرين ، وأنه إنما يعلم أحوال المخبرين بعد حصول العلم الضروري له بما أخبروا عنه (٢).
وتعلق من (٣) ذهب إلى أن هذا العلم ضروري بأشياء :
منها : أن العلم بمخبر هذه الأخبار لو كان مكتسبا وواقعا عن تأمل حال المخبرين ، وبلوغهم إلى الحد الّذي لا يجوز أن يكذبوا ، لوجب أن يكون من لم يستدل على ذلك ولم ينظر فيه من العوام والمقلدين وضروب من الناس لا يعلمون
__________________
(١) فلا.
(٢) هذا النص منقول عن كتاب «الذخيرة في علم الكلام : ٣٥١ ـ ٣٥٠» للشريف المرتضى.
(٣) قال أبو الحسين البصري المعتزلي : «اختلف الناس في العلم الواقع عند التواتر ، فقال شيخانا أبو علي وأبو هاشم : إنه ضروري غير مكتسب ، وقال أبو القاسم البلخي : إنه مكتسب ...» ثم ينقل أدلة القائلين بالضرورية وهي هذه الأدلة الثلاثة التي يفصلها الشيخ الطوسي. انظر : «المعتمد في أصول الفقه ٢ : ٨٢ ـ ٨١ ، اللمع : ٣٩ ، شرح اللمع ٢ : ٥٧٥ والمنخول : ٢٣٦».