لمطابقته للجملة المتقررة ، وأنتم قد جعلتم علم الجملة مكتسبا ، والتفصيل كذلك ، وذلك أنه لا فرق بين أن يكون علم الجملة حاصلا بالضرورة أو الاكتساب ، في جواز أن يبنى عليه التفصيل ، لأن من علم منا بالاكتساب أن من صح منه الفعل يجب أن يكون قادرا ، ثم علم في ذات بعينها أنه يصح منها (١) الفعل ، فعل اعتقادا لكونها قادرة ، فيكون ذلك الاعتقاد علما لمطابقته للجملة المتقدمة ، وإن كانت تلك الجملة مكتسبة.
وكذلك إذا علم بالاكتساب أن من شأن القادر أن يكون حيا ، ثم علم في ذات بعينها أنها قادرة ، فعل اعتقادا لكونها حية فيكون علما لمطابقته للجملة المتقررة. فلا فرق إذا في إدخال التفصيل في الجملة المتقدمة بين الضروري والمكتسب.
وكما أن ما ذكرناه ممكن ، يمكن أيضا أن يكون الله تعالى أجرى العادة بأن يفعل العلم فينا عند سماع الأخبار عن البلدان وما شاكلها على ما ذهب إليه آخرون ، وليس في العقل دليل على أحد القولين ، فلا يخل الشك في ذلك بشيء من شرائط التكليف ، فيجب أن يجوز كلا الأمرين.
ونحن نتتبع أدلة كل فرقة من الفريقين ليتم لنا ما قصدناه :
فما استدل به أبو القاسم البلخي ومن تبعه على أن هذه العلوم مكتسبة أن قال :
«لا يجوز أن يقع العلم الضروري بما ليس بمدرك ، ومخبر الأخبار عن البلدان أمر غائب عن الإدراك ، فلا يجوز أن يكون ذلك ضروريا ، لأنه لو جاز كون العلم بالغائبات ضروريا ، جاز أن يكون العلم بالمشاهدات مستدلا عليه» (٢).
واستدل أيضا : «بأن العلم بمخبر الأخبار إنما يحصل بعد تأمل أحوال المخبرين بها وصفاتهم ، فدل ذلك على أنه مكتسب» (٣).
فيقال له فيما ذكره أولا : لم زعمت أن العلم بالغائب عن الحس لا يكون ضروريا ، أو ليس الله تعالى قادرا على فعل العلم بالغائب مع غيبته ، فما المنكر من أن
__________________
(١) في الأصل : منه.
(٢) اللمع : ٣٩ ، شرح اللمع ٢ : ٥٧٥ ، التبصرة : ٢٩٣ ، المنخول ٦ : ٢٣.