وينبغي أن يذكر في اللفظ ما يزيل الإبهام ، لأن الحدود مبنية على الألفاظ دون المعاني.
وقد حد قوم : بأنه ما احتمل التصديق والتكذيب.
وهذا صحيح ، غير أن ما ذكرناه أولى من حيث أن التصديق والتكذيب يرجع إلى غير الخبر ، وينبغي أن يحد (١)* الشيء بصفة هو عليها لا بما يرجع إلى غيره.
وتوصف الإشارة والدلالة بأنهما خبران ، وذلك مجاز ، وإنما يدخل في كونه خبرا بقصد المخاطب إلى إيقاع كونه خبرا ، وإنما قلنا ذلك لأنه يوجد الصيغة ولا يكون خبرا فلا بد من أن يكون هناك أمر خصصه.
ومن الناس من جعل القصد من قبيل الإرادة ، ومنهم من جعله من قبيل الداعي ، وليس هذا موضع تصحيح أحدهما.
والخبر لا يخلو من أن يكون مخبره (٢)* على ما هو به فيكون صدقا ، أو لا يكون مخبره على ما هو به فيكون كذبا ، وهذا أولى مما قاله بعضهم في الكذب أن يكون خبره على خلاف ما هو به ، لأن ذلك بعض الكذب ، وقد يكون الخبر كذبا وإن لم يكن متناولا (٣)* للشيء على خلاف ما هو به ، ألا ترى أن القائل إذا قال : «ليس زيد قاعدا» وهو قاعد يكون خبره كذبا وإن لم يكن قد أخبر بصفة تخالف كونه قاعدا ، فعلم (بذلك) (٤) أن الحد بما ذكرناه أولى لأنه أعم.
وعلى هذا التحرير يكون قول القائل : «محمد بن عبد الله ومسيلمة صادقان أو كاذبان» ينبغي أن يكون كذبا ، لأنه في الحالين جميعا ليس مخبره على ما تناوله الخبر ،
__________________
(١) * أي الأولى أن يكون كل ما يذكر فيه من أوصافه سواء كان محمولا عليه في الحد كالاحتمال فيما نحن فيه ، أو متعلقا للمحمول كالصدق والكذب فيه.
(٢) *المراد بالمخبر ـ بفتح الباء ـ هنا أيضا المحكوم عليه وضمير هو للخبر ، يدل عليه قوله بعد ذلك «ليس مخبره على ما تناوله الخبر» إلى آخره.
(٣) * المراد «بالشيء» المحكوم عليه ، والجار في قوله «على خلاف» يتعلق بالتناول ، وضمير «هو» هنا للشيء.
(٤) زيادة من الأصل.