فصل ـ [٦]
«في ذكر الوجه الّذي يجب أن يحمل عليه مراد الله بخطابه»
إذا ورد خطاب عن الله تعالى فلا يخلو من أن يكون محتملا أو غير محتمل ، فإن كان غير محتمل ، بأن يكون خاصا أو عاما وجب أن نحمله على ما يقتضيه ظاهره ، إلا أن يدل على أنه أراد به غير ظاهره دليل ، فيحمل عليه. فإن دل دليل على أنه أراد بالخاص غيره (١)* وجب حمله على ما دل عليه ، وإن دل على أنه لم يرد الخاصّ نظر فيه ، فإن كان ذلك الخاصّ مما لا يتسع إلا في وجه واحد ، وجب أن يحمل على أنه مراد به ، وإلا أدى ذلك إلى أن يكون ما أراد بالخطاب شيئا أصلا. وإن كان ذلك مما يتسع به في وجوه كثيرة وجب التوقف فيه ، ولا يقطع على أنه أريد به البعض لعدم الدليل ، ولا أنه أريد به الجميع لأنه لا دليل أيضا عليه.
وهذا أولى مما قاله قوم : من أنه يجب حمله على أنه أريد به جميع تلك الوجوه لأنه لا يمتنع أن يكون أراد بعض تلك الوجوه وآخر بيانه إلى وقت الحاجة على ما نذهب إليه في جواز تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب.
__________________
(١) * أي إذا أطلق الخاصّ ، فأما أن يعلم عدم إرادة معناه الموضوع له أم لا ، فعلى الأول أما أن يعلم بظاهر أنه قصد إرادة معنى معين غير الموضوع له أم لا ، وعلى الثاني وهو أن لا يعلم عدم إرادة معناه الموضوع له ، أما أن يعلم إرادة غير الموضوع له معه أم لا ، فهذه أربعة احتمالات تصدى المصنف لبيان حالها ، إلا الرابع فإنه معلوم مما مر وهو قوله : «وجب أن يحمله على ما يقتضيه ظاهره».