في الخطاب : إنه لا يجوز أن يصدر منه إلا للإفادة.
وليس لهم أن يقولوا : إنه تعبد بتلاوته (١) ، وذلك لا يمكن إلا بخطاب آخر ، والكلام في ذلك الخطاب كالكلام فيه.
وذلك يؤدي إلى أن لا نعلم بخطابه شيئا أصلا ، على أن التعبد بتلاوة ما لا يفهم عبث ، لأنه يجري مجرى التعبد بالتصويب من الصراخ.
ولأن التعبد به إنما يجوز إذا كان للمتعبد به طريق إلى معرفة مراده فيدعوه ذلك إلى فعل الواجب ، أو يصرفه عن فعل القبيح ، فأما إذا لم يكن كذلك فلا تحسن العبادة بالتلاوة.
أيضا : فلو كان لمجرد التلاوة لم يحسن أن يجعل بعضه أمرا ، وبعضه نهيا ، وبعضه خبرا ، وبعضه وعدا ، وبعضه وعيدا ، ولا أن يكون خطابا لقوم بأولى من أن يكون خطابا لغيرهم ، وكل ذلك يبين أنه لا يحسن لما قالوه.
فأما الّذي يدل على أنه لا يجوز أن يخاطب على وجه يقبح ، ما ثبت من كونه عالما بقبحه ، ومن أنه غني عنه ، ومن هذه صفته لا يجوز أن يفعل القبيح ، ألا ترى أن من علم أنه إذا صدق توصل إلى مراده ، وكذلك إذا كذب وصل إليه على حد ما كان يفعل إليه لو صدق من غير زيادة ، لم يجز أن يختار الكذب على الصدق ، ولا وجه في ذلك إلا لعلمه بقبح الكذب ، وبأنه غني عنه بالصدق ، فكذلك القديم تعالى.
وأما الّذي يدل على أنه لا يجوز أن يريد بخطابه غير ما وضع له ولا يدل عليه ، فإن ذلك يؤدي إلى أن لا نعلم بخطابه شيئا أصلا ، لأنه لا خطاب إلا وذلك يجوز فيه ، ولا يمكن أن يدعى العلم بقصده ضرورة في بعض خطابه ، لأن ذلك يمنع من التكليف.
وليس لهم أن يقولوا : أنه يؤكد ذلك الخطاب فيعلم به مراده ، وإن كان هذا عاريا منه ،
__________________
(١) وليس لهم أيضا أن يقولوا أنه متعبد بتلاوته فيكون ذلك وجه الحسن فإنه لا طريق إلى أن يعرف أنه تعبد بتلاوته.