يعرفوا بخطابه شيئا ولا مراده أصلا من حيث جوزوا على الله تعالى القبائح.
ولشرح هذه الأشياء موضع غير هذا يحتمل أن نبسط الكلام فيه ، غير أنا نشير إلى جمل منه موصلة إلى العلم.
إنما قلنا : أنه لا يجوز أن يخاطب ولا يفيد بخطابه شيئا أصلا ، لأن ذلك عبث لا فائدة فيه ، تعالى الله تعالى عن ذلك.
وليس لأحد أن يقول : يجوز أن لا يفيد بخطابه شيئا أصلا ويكون وجه حسنه المصلحة ، لأن ذلك يؤدي إلى أن لا يكون طريق إلى معرفة المراد بخطابه أصلا (١)* ، لأنه لا خطاب إلا وذلك مجوز فيه وذلك فاسد ، فجرى ذلك مجرى المعجزات الدالة على نبوة الأنبياء عليهمالسلام في أنه لا يجوز أن تفعل للمصلحة (٢) دون التصديق (٣) ، لأن ذلك يؤدي إلى انسداد الطريق علينا من الفرق بين الصادق والكاذب ، ولأجل ذلك قلنا إنه لا يجوز فعل المعجز إلا للتصديق (٤)* ، فكذلك القول
__________________
(١) * إشارة إلى ضابطة هي أن كل قضية يحصل لنا العلم القطعي بها بطريق من الطرق ، فيمكن لنا أن نستدل عقلا بالعلم بصدقها على استحالة ما ينافي حصول ذلك العلم من ذلك الطريق ، وإن لم تكن جهة الاستحالة معلومة لنا ، وذلك لأن العلم سواء كان ضروريا أو كسبيا لا بد له من موجب مخصوص يمتنع عقلا تحققه بدون ذلك العلم ، ولا بد لمتعلقه في تعلقه به من موجب مخصوص يمتنع تحقق ذلك الموجب بدون صدق متعلق العلم ، فما ينافي العلم إما مناف لأحد الموجبين وأما مناف لإيجابه واستلزامه ، فالأوّل يستحيل عقلا اجتماعه مع الموجب ، والثاني يستحيل عقلا تحققه مطلقا.
(٢) المراد أن العقل يحكم بامتناع صدور المعجز عن الله لا للتصديق بل لمصلحة أخرى ، وهذا العلم إما ضروري للمكلف كالعلم بأنه يمتنع صدور خرق العادة عن غير الله تعالى ، أو كسبي يلهم الله المكلف النّظر في دليله ، وهو أنه قبيح في نفسه ويمتنع اضطراره تعالى إلى القبيح في نفسه للمصلحة.
(٣) فيه رد على من زعم أن العيان والبرهان إذا دل على شيء جاز فعل المعجز على طبق دعوى خلافه اعتمادا على العلم ، ولعله ربما تمسك في ذلك باحتياج نبينا عليهالسلام إلى التحدي والتمسك بعدم إمكان المعارضة ، وهذا لا يتوجه على مذهب من قال إن إعجاز القرآن للصرفة ، فإن خارق العادة على مذهبه هو نفس عجزهم عن المعارضة ، لا أنه تتميم لدلالة خارق العادة على الصدق.
(٤) *في الأصل : تصديقه.