وقد ألحق قوم بهذا الباب إثباته عليهالسلام الحكم في عين وتعليله له بعلّة يقتضي التعدّي إلى غيره (١) ، نحو قوله عليهالسلام في الهرّة : «إنّها من الطّوافين عليكم والطّوافات» (٢) ، وقالوا : هذا وإن لم يمكن أن يدّعى فيه العموم فهو في حكمه في أنّ ذلك الحكم متعلّق بكلّ ما فيه تلك العلّة حتّى يصير بمنزلة تعليق الحكم باسم يشمل جميعه.
وهذا إنّما يمكن أن يعتبره من قال بالقياس ، فأمّا على مذهبنا في نفي القياس فلا يمكن اعتبار ذلك أصلا.
على أنّ فيمن قال بالقياس من منع من ذلك (٣) وقال : «إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لو نصّ على العلّة في شيء بعينه لم يجب إلحاق غيره به إلّا بعد إثبات التعبّد بالقياس ، فأمّا قبل العبادة فلا يصحّ ذلك ، فيه ، ولذلك لو قال : «حرّمت السّكر لأنّه حلو» لم يجب أن يحكم بتحريم كلّ حلو إلّا بعد العبادة بالقياس» (٤).
وكذلك ينبغي أن يكون قوله فيما ذكرنا.
فأمّا ما روي عنه عليهالسلام ليس الأمر فيه على ما ظنّ بعضهم (٥) من أنّه يفيد
__________________
(١) قال الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازي في «التبصرة في أصول الفقه ص ٤٣٦» : «إذ حكم صاحب الشّرع بحكم في عين ، ونصّ على علّته ، وجب إثبات الحكم في كلّ موضع وجدت فيه العلّة ، وهو قول النّظام ، والقاشاني ، والنّهرواني ، وغيره من نفاة القياس ، وهو مذهب الكرخي».
(٢) روى المتّقي الهندي أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّها ليست بنجس ، إنّها من الطّوافين عليكم والطّوّافات ، يعني الهرّة» كنز العمّال ٩ : ٣٩٩ حديث رقم ٢٦٦٧٧.
(٣) قال الشّيرازي في «التبصرة» ص ٤٣٧ : «ومن أصحابنا من قال : لا يجوز إجراء العلّة في كلّ موضع وجدت حتّى يدلّ الدّليل على ذلك ، وهو قول البصريّ من أصحاب أبي حنيفة».
وعلّق محقّق «التبصرة في أصول الفقه» على قول الشّيرازي : «وهذا هو مذهب أكثر أصحاب الشّافعي ، وبه قال أبو إسحاق الأسفراييني ، وجعفر بن مبشّر ، وجعفر بن حرب ، وأهل الظّاهر.
قال ابن السبكي : وإليه ذهب المحقّقون ، كالأستاذ ، والغزاليّ ، والرازي وأتباعه ، والآمدي».
(٤) انظر : «التبصرة في أصول الفقه ص ٤٣٧ ، المعتمد ٢ : ٢٣٥ ، الذريعة ١ : ٢٩٤».
(٥) وهذا مذهب الشّريف المرتضى (الذريعة ١ : ٢٩٤) حيث قال : «ومثله (الزعيم غارم) لأنّ فيه معنى التعليل