حنيفة ، لأنّه كان يحمل ما رواه أبو هريرة من خبر ولوغ الكلب (١) على أنّ السّبع ليس على الوجوب من حيث كان يذهب إلى جواز الاقتصار على ثلاث.
وحكى أبو عبد الله عن أبي الحسن (٢) : أنّ التعلّق بظاهر الخبر أولى.
ومنهم من قال : إنّه يجب أن ينظر فيه ، فإن كان الرّاوي عدل عن ظاهر ما رواه وجب التّمسّك بما رواه من اللّفظ ، وإن كان قال بأحد محتملاته حملت عليه ، وهذا الّذي يدلّ عليه ظاهر قول الشّافعي ، وإليه يذهب كثير من أصحابه (٣) ، لأنّه حمل ما رواه ابن عمر في حديث الافتراق (٤٢) على الافتراق بالبدن ، لأنّ ابن عمر حمله على ذلك ، وحمل قوله في حديث الرّبا : «يدا بيد» (٥) أنّ المراد به أن لا يفترقا إلّا بعد التقابض ، من حيث حمله ابن عمر على ذلك ، ولم يصرف قوله : صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من بدّل دينه فاقتلوه» (٦) إلى الرّجال ، وإن كان ابن عبّاس صرفه إليهم.
والّذي يجب أن يقول عليه في ذلك : أنّ الرّاوي إذا روى الخبر العام وحمله على بعض ما تناوله وقال : إنّه علم ذلك من قصد النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ضرورة ، وجب حمله على ما ذهب إليه ، لأنّ وجوب حسن الظنّ به في نفس الخبر يوجب حسن الظنّ به في قوله إنّه علم ذلك ضرورة من قصد الرّسول صلّى الله عليه
__________________
(١) روى البخاري بسنده عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا» ، صحيح البخاري : باب ولوغ الكلب ح ٣٧.
(٢) روى البخاري بإسناده عن ابن عمر قال : بعت من عثمان مالا بالوادي بمال له بخيبر فلمّا تبايعنا رجعت على عقبي حتّى خرجت من بيته خشية أن يرادّني البيع ، وكانت السّنّة أن المتبايعين بالخيار حتّى يفترقا ...» صحيح البخاري : باب ما جاء في بيع الخيار حديث ٦٧ ، المغني ٤ : ٧.
(٣) ويقصد بهذا الحديث قول النّبي عليهالسلام : «بيعوا الذّهب بالفضّة كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا البرّ بالتّمر كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا الشّعير بالشّعير كيف شئتم يدا بيد» وفي لفظ «إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» المغني ٤ : ١٣٠.
(١) أي أبي عبد الله البصري الفقيه (ت ٣٦٩ ه) عن شيخه أبي الحسن الكرخي (ت ٣٤٠ ه).
(٢) ومنهم الشّيخ أبي إسحاق الشيرازي حيث صرّح بهذا الرّأي في كتاب «شرح اللّمع ١ : ٣٩٠».
(٣) كنز العمّال ١ : ح ٣٧٨.