تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(١) أن ظاهر الكلام يقتضي كون المكون عقيب كن لموضع الفاء ، وهذا يوجب أن كن محدثة ، لأن ما تقدم المحدث بوقت واحد لا يكون قديما ، وذلك يدل على حدوث الكلام بالضد مما يتعلقون به (٢) *.
وذهب المرتضى رحمهالله إلى أنها تفيد الترتيب ، وخالف في أنها تفيد التعقيب من غير تراخ ، بل قال : ذلك موقوف على الدليل ويجب التوقف فيه ، وخالف في جميع ما يمثل به في هذا الباب.
وأما «ثم» : فإنها تفيد الترتيب والتراخي ، فهي مشاركة للفاء في الترتيب وتضادها في التراخي. وقد استعملت «ثم» بمعنى «الواو» في قوله تعالى : (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ)(٣) لأن معناه والله شهيد ، وذلك مجاز.
وأما «بعد» : فإنها تفيد الترتيب من غير تراخ ولا تعقيب.
وأما «إلى» : فهي للحد ، وقد يدخل الحد في المحدود تارة ، وتارة لا يدخل ، فهو موقوف على الدليل ، وإن كان الأقوى أنه لا يدخل فيه.
وأما «من» : فلها (٤) أربعة أقسام :
أحدها : التبعيض ، نحو قولهم : «أكلت من الخبز واللحم» ، يعنى أكلت بعضهما ، ونحو قولهم : «هذا باب من حديد ، وخاتم من فضة» لأن المراد به أنه من هذا الجنس.
وثانيها : معنى ابتداء الغاية ، نحو قولهم : «هذا الكتاب من فلان إلى فلان» ، أي
__________________
(١) النحل : ٤٠.
(٢) * الظاهر أن الأشاعرة تعلقوا به في أن كلامه تعالى قديم ، لأن قول (كن) حين الإرادة وهي قديمة بزعمهم ، لأن الكلام لو كان حادثا لكان شيئا مرادا مسبوقا بقول (كن) ويلزم الدور أو التسلسل ، وفي هذا الكلام إشارة إلى أن ما ذكر ليس استدلالا مستقلا على حدوث الكلام ، بل هو نقض إجمالي لتعلقهم به فلا يرد أن لا كلام هنا حقيقة بل هو استعارة تمثيلية لنفوذ إرادته تعالى.
(٣) يونس : ٤٦.
(٤) فإن لها.