أن يقول : «رأيتهم» بلفظ يشملهم ، فإذا صحّ ذلك فالاستثناء لو ذكر عقيب الجملة المتناولة لجميعهم كان متعلّقا بهم ، فكذلك إذا ذكر عقيب الجمل المعطوف بعضها على بعض ، لأنّها في حكم الجملة الواحدة.
ويدلّ أيضا على ذلك : أنّ الشّرط إذا تعقّب جملا كثيرة فلا خلاف في أنّه يرجع إلى جميعها ، والعلّة الجامعة بينهما أنّ كلّ واحد منهما لا يستقلّ بنفسه ويحتاج إلى تعليقه بغيره ليفيد ، فلمّا اتّفقا في هذا الحكم وجب اتفاقهما في وجوب رجوع كلّ واحد منهما إلى ما تقدّم.
فان قيل : إنّما وجب ذلك في الشّرط ، لأنّ له صدر الكلام ، فهو وإن ذكر آخر الكلام فكأنّه مذكور (١) في أوّله ، وإذا كان مذكورا في أوّله فالجمل كلّها معطوفة عليه وهو داخل عليها ووجب تعلّقه بها كلّها ، فكذلك (٢) حكمه إذا تأخّر.
قيل لهم : لا نسلّم أنّ له صدر الكلام حتّى لا يجوز أن يؤخّر ، بل الموجود بخلافه ، وإنّما يستعمل تارة في صدر الكلام وتارة في آخره ، وليس مخالفته للاستثناء في جواز تقدّمه بموجب مخالفته في كلّ وجه ، ألا ترى أنّه قد خالف الاستثناء أيضا في أنّه لا يدخل إلّا على أفعال مستقبلة أو ما يقدّر فيها الاستقبال ، وليس كذلك الاستثناء فإنّه يدخل على ما كان ماضيا ، أو مستقبلا ، أو يكون اسما وليس فيه معنى الفعل أصلا ، وكلّ ذلك لا يصحّ في الشّرط ، ولم يجب بذلك أن يكون (٣) حكم الاستثناء حكمه ، فكذلك فيما قلناه.
ويدلّ أيضا على ما ذهبنا إليه : أنّ الاستثناء بمشيّة الله (٤)* إذا تعقّب جملا كثيرة وجب رجوعه إلى جميعها ، فكذلك يجب أن يكون حكم الاستثناء الآخر مثله ، والعلّة الجامعة بينهما ما قدّمناها من افتقار كلّ واحد منهما إلى ما يتعلّق به ، وكونه غير
__________________
(١) في الأصل : مذكورا.
(٢) وكذلك.
(٣) أن لا يكون.
(٤) * هو (إلّا أن يشاء الله) وقد يطلق على (أن شاء الله).