مستقلّ بنفسه.
واستدلّ من خالف على صحّة ما ذهب إليه بأن قال :
أنّ الاستثناء إنّما وجب تعليقه بما تقدّم لأنّه لا يستقلّ بنفسه ، ولو استقلّ بنفسه لما وجب ذلك فيه ، فإذا علّقناه بما يليه فقد أفاد واستقلّ بنفسه ، فلا معنى لردّه إلى جميع ما تقدّم (١)*.
والجواب عن ذلك : أنّ هذا أوّلا ينتقض بالشّرط والاستثناء بمشيئة الله ، لأنّهما إنّما علّقا بما تقدّم ، لأنّهما لا يستقلّان بأنفسهما ، ومع هذا لا يجب تعليقهما بما يليهما فحسب دون ما تقدّم ، فكذلك (٢) القول في الاستثناء.
ثمّ إذا وجب تعليقه بما تقدّم لكونه غير مستقل بنفسه ، فلم صار (٣)* بأن يعلّق بما يليه بأولى من أن يعلّق بما قبله؟ وإذا لم يكن هناك ما يخصّصه بما يليه وجب تعليقه بجميع ما تقدّم لفقد الاختصاص.
واستدلّوا أيضا بأن قالوا : قد ثبت أنّ الاستثناء من الاستثناء لا يرجع إلّا إلى ما يليه ، ولا يرجع إلى الجملة الأولى ، فكذلك القول في الجمل الكثيرة يجب أن يكون حكمه ذلك الحكم في رجوعه إلى ما يليه.
والجواب عن ذلك من وجوه :
أحدها : إنّا إنّما أوجبنا في الجمل الكثيرة أن يرجع إلى جميعها لما كانت معطوفة بعضها على بعض بواو العطف الّتي يوجب الاشتراك ويصيّر الجمل الكثيرة في حكم الجملة الواحدة على ما بيّناه ، وليس هذا موجودا في الاستثناء من الاستثناء ، لأنّه ليس هناك ما يوجب اشتراك الجملة الثّانية للجملة الأولى ، فلا يجب أن يرجع إلى الجملة الأولى.
__________________
(١) * حاصله : أنّ التعليق بالغير خلاف الأصل ، فليقتصر فيه على قدر الضرورة.
(٢) وكذلك.
(٣) * حاصله : منع كون التعليق بالغير خلاف الأصل.