فعلم بذلك أنّ التّخصيص يقع بلفظ الاستثناء ، وإنّما يعلم بالكلام المقترن به تعلّقه بالأوّل.
وذلك ، أنّ هذا متى كان على (١)* ما ذكر يفيد ، غير أنّه لا يحسن من وجهين :
أحدهما : إنّ بيان تخصيص العموم لا يجوز أن يتأخّر عن حال (٢)* الخطاب على ما نبيّنه فيما بعد ، وإذا لم يجز ذلك لم يحسن هذا.
والثّاني : أنّه يؤدّي إلى أن لا يفهم بشيء من الكلام أمر أصلا ، ولا بإخبار النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أخبر عن نفسه ، أو إخبار الله تعالى إذا أخبر عمّا يفعله ، لأنّا لا نأمن أن يأتي بعد ذلك استثناء يدلّ على أنّه أراد المجاز ، وهذا يؤدّي إلى ما قدّمناه من أن لا يفهم بالكلام شيء أصلا ، وذلك فاسد.
على أنّ الّذي ذكروه لو حسن تأخير الاستثناء ، لحسن تأخير خبر المبتدأ (٣) ، مثلا أن يقول القائل اليوم : «زيد» ويقول غدا : «قائم» ، ويقرن به من الكلام ما يدلّ على أنّه متعلّق بما تكلّم به أمس.
فإن ارتكبوا ذلك كان قبحه معلوما ، وإن راموا الفصل لم يجدوه.
وإذا ثبت ما قلناه من وجوب اتّصاله بالكلام ، فمن حقّه أن يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته ، وقد دللنا على ذلك في باب «أنّ (٤) العموم له صيغة» بما بيّناه من أنّ الاستثناء في الأعداد يفيد ذلك ، فينبغي أن يكون ذلك حقيقة ، واستوفينا الكلام فيه.
فأمّا استثناء الأكثر من اللّفظ ، والأقلّ :
فذهب أكثر المحصّلين من المتكلّمين ، والفقهاء ، وأهل اللّغة إلى أنّ استثناء
__________________
(١) * كأنّه إشارة إلى أنّه يمكن دعوى أن احتياج أجزاء الكلام في ربط بعضها إلى بعض إلى كلام آخر باطل لغة.
(٢) * إنّما يفيد في المقام عدم الجواز لغة.
(٣) خبر المبتدأ عن المبتدأ.
(٤) في الأصل : في باب العموم.