استثناء وغيره (١) كان حقيقة ، فأمّا إذا لم يكن متّصلا فإنّه يصير مجازا (٢).
وذهب أبو عليّ وأبو هاشم ومن تبعهما وأكثر المتكلّمين وباقي الفقهاء إلى أنّه يصير مجازا بأيّ دليل خصّ (٣) ، وهو الصّحيح (٤).
والّذي يدلّ على ذلك : أنّا قد بيّنا في هذا الكتاب أنّ حقيقة المجاز أن يستعمل اللّفظ في غير ما وضع له ، فإذا ثبت ذلك ـ وقد دللنا على أنّ للعموم صيغة تختصّه يفيد الاستغراق (٥) ـ فينبغي (٦)* إذا استعملت فيما دون الاستغراق أن يكون مجازا لثبوت حقيقته فيه ، وهذا يبيّن أنّه يصير مجازا بأيّ دليل خصّ ، سواء كان لفظا متّصلا
__________________
والغالب ، إذ أنّ أغلب المخصّصات لفظيّة.
(١) الاستثناء المتّصل بالعامّ كقول القائل : «أكرم بني تميم إلّا زيدا منهم» ، وغيره كالشّرط كقوله : «من دخل داري أكرمته إن كان عالما» أو الصفة المقيّدة كقوله : «من دخل داري من الشجعان أكرمته».
(٢) وهذا الرّأي مختار جماعة كالباقلاني ، وفخر الدّين الرازي ، وأبي الحسن الكرخي وغيرهم.
(٣) وهذا القول مختار مشاهير المعتزلة وأعلامهم كأبي علي الجبّائي ، وابنه أبي هاشم ، وأتباعهما ، ومذهب جمهور الأشاعرة ، وجماعة من الفقهاء أمثال : عيسى بن أبان ، والغزاليّ (في المستصفى) ، والآمدي ، وابن الحاجب ، والشيخ صفي الدّين الهندي ، والبيضاوي ، وابن الهمّام من العامّة ، والشّيخ الطّوسي من الإماميّة.
انظر : «التبصرة : ١٢٢ والمصادر الواردة في هامشها ، الإبهاج ٢ : ٨٠ ، المستصفى ٢ : ٥٤ ، الإحكام ٢ : ٢٩٠ ، المعتمد ١ : ٢٦٢ ، الإحكام ٣ : ٣٩٠».
(٤) هذه المذاهب الثلاثة الّتي نقلها الشّيخ الطوسي (ره) هي مختار جلّ الفقهاء والمتكلّمين والأصوليين ـ من العامّة والخاصّة ـ إلّا أنّ الآمدي وابن السبكي نقلا خمسة مذاهب أخرى هي مختار شرذمة من الأصوليين والمتكلّمين ، وهذه المذاهب الخمسة لا تعدّ أصلا وإنّما هي تفريعات وتفصيلات على الثلاثة الأولى كقول القاضي عبد الجبّار الّذي فصّل بين التقييد بالشّرط وبين التقييد بالصفة وغيره. انظر : «الأحكام ٢ : ٢٠٩ ، الإبهاج ٢ : ٨٠ ، الذريعة ١ : ٢٣٩».
(١) انظر استدلال المصنّف في صفحة ٢٧٣ و ٢٧٤ ، ولاحظ أيضا التعليق رقم ١ صفحة ٢٧٣».
(٦) * هنا مقدّمة مطوية هي. لكن استعملت فيما دون الاستغراق ، وهذه إنّما يتمّ لو ثبت مقدّمتان الأولى : أنّ المخصّص في نحو قولنا : «له على عشرة إلّا ثلاثة» صلة للحكم فليس شطرا للمسند إليه فيبطل الاحتمال الأول من احتمالي كونه حقيقة كما مرّ ، والثانية : أنّ كلّ مراد من اللفظ يجب ان يستعمل لفظ فيه فيبطل الاحتمال الثاني.