والنّهي ، ولا يجب ذلك في الأخبار.
والّذي أذهب إليه هو الأوّل ، والّذي يدلّ على ذلك أنّ «من» إذا استعملت في المجازات يحسن أن يستثنى منها كلّ واحد من العقلاء ، فلو لا أنّها مستغرقة لهم وإلّا لم يجز ذلك ، يبيّن ذلك أنّها لمّا لم يكن متناولة لغير العقلاء لم يحسن أن يستثنى منها من ليس بعاقل ، ومن دفع حسن الاستثناء في هذا لا يحسن مكالمته.
فإن قيل : إنّما حسن الاستثناء في هذا الموضع لأنّه يصلح أن يكون متناولا لجميع العقلاء وإن لم يكن ذلك واجبا ، وغير العقلاء إنّما لم يحسن استثناؤهم لأنّ اللّفظ لا يصلح أن يتناولهم أصلا.
قيل لهم : لو كان الاستثناء إنّما حسن للصّلاح دون الوجوب لحسن الاستثناء من النكرات ، وقد علمنا أنّه لا يحسن أن يقول القائل : «رأيت رجلا إلّا زيدا» وإن كان لفظ «رجل يصلح أن يقع على زيد وعلى غيره من الرّجال صلاحا لما لم يكن متناولا له على طريق الوجوب.
فإن ارتكبوا حسن الاستثناء من لفظ «رجل لم يحسن كلامهم ، لأنّ ذلك معلوم من دين أهل اللّغة خلافه.
وإن قالوا : إنّما لم يحسن الاستثناء من ذلك لأنّ من شأن الاستثناء ألّا يدخل إلّا على جملة ذات عدد وإن لم تكن مستغرقة ، ألا ترى أنّها تدخل على ألفاظ الجموع الّتي ليست للاستغراق ، ألا ترى أنّه إذا قال القائل : «رأيت رجالا» يحسن أن يستثني منها زيدا وعمرا وخالدا وبكرا ، ولا يقول أحد : إنّ ألفاظ الجمع الخالية من الألف واللّام مستغرقة لجميع الرّجال ، فبطل أن يكون الاستثناء دلالة على الاستغراق.
قيل لهم : إنّ قولكم (١) قولكم أنّ من شأن الاستثناء ألّا يدخل إلّا على جملة باطل ، لأنّها تدخل على لفظ الواحد المنفيّ ، ألا ترى أنّه يحسن أن يقول القائل : «ما جاءني من أحد» ثمّ يستثني كلّ واحد من العقلاء ، وليس لفظ «أحد» لفظ جمع.
__________________
(١) في الأصل : إمّا.