وأمّا الوطء في الحيض ، وما يتعلّق به من لحوق الولد ، وتحليل المرأة للزّوج الأوّل ، ووجوب المهر كاملا ، ووجوب العدّة وغير ذلك من الأحكام ، فإنّ جميع ذلك إنّما يثبت بدليل ، ولو خلّينا وظاهر النّهي لما أجزنا شيئا منه على حال.
فأمّا الذّبح بالسّكّين المغصوبة فيمكن أن يقال : أنّ القبيح هو التّصرّف في السّكين ، فما يحصل بالسّكّين من الأفعال قبيحة ، وليس الذّبح حالا في السّكين (١)* ، ولا يمتنع أن يكون الذّبح حسنا وإن كان سببه الّذي أوجبه قبيحا ، ألا ترى أنّ من رمى مؤمنا فأصاب كافرا حربيّا فإنّ رميه يكون قبيحا وإن كان ما حصل منه من قتل الكافر حسنا ، فكذلك القول فيما قلناه.
ويدلّ أيضا على صحّة ما ذهبنا إليه : رجوع الأمّة من عهد الصّحابة إلى يومنا هذا في فساد الأمور وبطلانها إلى تناول النّهي لها ، فلو لا أنّهم عقلوا ذلك من النّهي وإلّا لم يرجعوا إليه على حال.
وليس لهم أن يقولوا : إنّهم رجعوا إلى ذلك لدليل دلّهم على ذلك.
وذلك أنّ هذا القول ينقض رجوعهم إلى النّهي ، لأنّهم إذا كانوا حكموا ببطلان الشّيء وفساده لدليل دلّهم على ذلك فلا تعلّق للنّهي بذلك ولا معنى لرجوعهم إليه.
فإن نازعوا في رجوعهم إلى ذلك ، كان ذلك دفعا لما هو معلوم خلافه ، وقيل لهم بيّنوا في شيء من الأشياء أنّهم رجعوا إلى العمل به لا يمكننا أن نقول في النّهي مثله؟
ويدلّ على ذلك أيضا : أنّا قد دللنا على أنّ الأمر يقتضي إجزاء المأمور به ، فينبغي أن يكون النّهي يقتضي كونه غير مجز لأنّه ضدّه.
فإن خالفونا في الأمر ، فقد دللنا على ذلك فيما مضى (٢) فأغنى عن الإعادة.
__________________
(١) يعني أنّ الذبح الواجب في الهدي مثلا ليس نفس التّصرف في السكين لا مفهوما ولا فردا ولذا ينفرد كلّ منهما عن الآخر كما إذا وكّل غيره.
(٢) انظر استدلال المصنّف على أنّ الأمر يقتضي أجزاء المأمور به في صفحة ٢١٣.