فإن قالوا : أكان يمتنع أن يقول الله تعالى أو النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تفعل كيت وكيت ، ولكن إن فعلته قام ذلك مقام المصلحة»؟
قيل له : الّذي فرضته في السّؤال غير ممتنع ، لكنّ ثبوت ذلك يحتاج إلى دليل ، والظّاهر من النّهي أنّه متى ارتكبه أنّ المأمور به لم يحصل ، وإذا لم يحصل فلم تحصل براءة الذمّة.
فإن قالوا : وكذلك وجوب القضاء عليه يحتاج إلى دليل.
قيل له : إذا فعل المأمور به على الوجه المنهيّ عنه يدلّ على أنّ ما أمر به لم يفعله ، وإذا ثبت أنّه لم يفعل ما امر به فلا خلاف بين الأمّة أنّه يجب عليه قضاؤه ، لأنّه لا فرق بين أن لا يصلّي في أنّه يجب عليه القضاء ، وبين أن يصلّي بغير طهارة في أنّه أيضا يجب عليه القضاء في الحالين معا.
فإن قالوا : الطّهارة شرط في صحّة الصلاة ، وكلّ موضع يثبت أنّ المنهي عنه شرط في صحّة العبادة فإنّه يدل على أنّه غير مجزية ، وإنّما الخلاف فيما ليس بشرط في صحّة العبادة هل يكون مجزيا أو لا؟
قيل له : فعلى هذا ينبغي أن يسقط الخلاف ، فإنّه متى فرضنا أنّ النّهي لا يتعلّق بشيء يتعلّق بالعبادة ولا بشيء من شرائطها فإنّا لا نحكم بفساد العبادة ، لأنّ على هذا التقدير يكون قد أدّى العبادة على الوجه الّذي أمر بها ، والنّهي إنّما يتعلّق بشيء آخر منفصل عنها ، فلا تعلّق بينه وبينها على حال.
فإن قيل : لو كان الأمر على ما ذكرتم لما قام دليل على أنّ كثيرا من الأشياء المنهيّ عنها قامت مقام الواجب الحسن مثل الوضوء بالماء المغصوب ، وغير ذلك من الأشياء الّتي تقرّر في الشّرع كونها مجزية.
قيل له : إنّ الّذي نذهب إليه أنّ جميع ذلك غير مجز ولا محكوم بصحّته ، فإن دلّ دليل على أنّ بعضه مجز وقام مقام الصّحيح صرنا إليه بدليل.
ونحن نبيّن جميع ذلك في فصل بيان :