من المتكلّمين إلى أنّ النّهي يدلّ على فساد المنهيّ عنه (١).
وذهب أكثر المتكلّمين ، والباقون من الفقهاء إلى أنّ ذلك لا يدلّ على كونه غير مجز (٢) ، وهو الّذي حكاه أبو عبد الله البصريّ عن أبي الحسن الكرخيّ ، وذهب إليه بعض أصحاب الشّافعي (١).
وينبغي أن نبيّن أوّلا تحقيق الخلاف في ذلك وما المراد به ، ثمّ نتكلّم في صحّة ذلك أو فساده.
فمعنى قولنا : «إنّ المنهيّ عنه غير مجز» هو أنّ الذّمة إذا تعلّقت بها عبادة يجب أداؤها على شروط ، فمتى أدّاها على وجه قبيح منهيّ عنه ، فإنّ ذمّته لا تبرأ ويجب عليه قضاؤها.
ومن خالف في ذلك يقول : لا يعلم بمخالفته الأمر وارتكابه النّهي أنّ ذمّته غير بريئة ، بل لا يمتنع أن تبرأ ذمّته بفعل القبيح كما تبرأ بفعل ما هو حسن.
والّذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه : أنّ كون الشّيء مأمورا به يقتضي كونه حسنا ومصلحة للمكلّف (٣)* ، وكونه منهيّا عنه يدلّ على أنّه مفسدة له ، ومحال أن يكون ما هو مفسدة يقوم مقام ما هو مصلحة (٤)* ، لأنّ ذلك متضاد.
__________________
وذهب إلى أنّ النّهي يقتضي فساد المنهي عنه.
انظر : «التبصرة : ١٠٠ ، الإحكام ٢ : ١٧٥ ـ ١٧٤ ، المنخول : ١٢٦ ، المستصفى ٢ : ١١ ـ ٩ ، المعتمد : ١ : ١٧١ ـ ١٧٠ ، أصول السرخسي ١ : ٨٠ ، شرح اللّمع ١ : ٢٩٧ ، روضة النّاظر : ١٩٠ الذريعة ١ : ١٨٠».
(١) انظر التعليقة رقم ١ صفحة ٢٦٠.
(٢) مجزي.
(٣) * هذا الدليل إنّما يتمّ لو ثبت أنّه تعالى إذا أمر بشيء فإنّما يطلبه في ضمن أفراده الحسنة لتحصل بها المصلحة ، فكأنّ الأفراد القبيحة ليست أفرادا للمأمور به حقيقة فيكون مبنيّا على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ، ويدلّ دلالة قطعية على دلالة النّهي في العبادات على فساد المنهي عنه بمعنى عدم الإتيان بالمأمور به ، ودلالة ظاهرة على عدم سقوط وجوب الإتيان به في وقته ، ويدلّ بانضمام دليل وجوب القضاء على من لم يأت بالمأمور به في وقته على وجب القضاء.
(٤) * أي بأن يحصل بفعله المصلحة المترتّبة على الإتيان بالمأمور به.