مباحة ، فإنّ ذلك يمكن الاعتماد عليه.
هذا إذا كان له أضداد كثيرة ويمكنه الانفكاك من جميعها ، فأمّا إذا لم يمكنه الانفكاك عن جميعها ، ولا بدّ من أن يكون فاعلا لواحد منها ، فإنّه لا يكون أيضا واجبا عليه ، لأنّه إنّما يجب الشّيء إذا كان ممّا يصحّ أن يفعل وألّا يفعل ، فأمّا ما لا ينفكّ عنه فلا يصحّ وصفه بالوجوب ، ولأجل هذا قلنا أيضا إذا لم يكن للمنهيّ عنه إلّا ضدّ واحد ويصحّ انفكاكه منهما جميعا ، فمتى لم يوجب عليه ذلك الشّيء أو يندب إليه ، يجب أن يكون مباحا كما قلناه في الأضداد الكثيرة سواء.
فأمّا النّهي إذا تناول أشياء فلا تخلو من أن تكون متضادّة أو مختلفة :
فإن كانت متضادّة ، فلا تخلو من أن يصحّ انفكاكه من جميعها إلى أمر آخر ، أو لا يصحّ ذلك فيها :
فإن كان يصحّ انفكاكه من جميعها جاز أن ينهى عنها أجمع على جهة التّخيير ، ولا يجوز أن ينهى عنها جميعا على وجه الجمع ، لأنّ كونها متضادة يمنع من صحّة الجمع بينها ، وما لا يصحّ الجمع بينها لا يصحّ النّهي عنه.
وإن كان لا يصحّ انفكاكه من جميعها ، فلا يجوز أن ينهى عن جميعها على حال ، لأنّ ذلك تكليف لما لا يطاق.
وكذلك إذا نهى عن ضدّين ولهما ثالث ، جاز أن ينهى عنهما جميعا على وجه التّخيير ، ولا يجوز أن ينهى عنهما جميعا على الجمع لمثل ما قلناه.
وإن كان ما تناوله النّهي أشياء مختلفة أو شيئين مختلفين ، فإنّه يصحّ ذلك على وجه الجمع والتّخيير معا.
وقول من قال : لا يصحّ ذلك على وجه التّخيير (١) غير صحيح ، لأنّه لا يمتنع أن
__________________
(١) وهو قول المعتزلة حيث قالوا : إن كان النّهي تناول أشياء مختلفة أو شيئين مختلفين فإنّه يكون نهيا عنهما ولا يجوز فعل واحد منهما على وجه التخيير. انظر : (المغني ، قسم الشّرعيّات ١٧ : ١٣٥) ، وقد خالف أبو الحسين البصري «المعتمد ١ : ١٠٤» مذهب القاضي عبد الجبّار ومن تابعة وذهب إلى جواز فعل أحدهما.