وشبهة من قال : إنّه يقتضي التكرار الرّجوع إلى الشّاهد وأنّ النّهي يقتضي ذلك ، وذلك غير مسلّم بالإطلاق ، فإن استعمل في ذلك بقرينة من شاهد الحال وغيرها فلا يمكن ادّعاء الحقيقة في ذلك (١) ، فإذا ثبت ذلك فإنّما قلنا إنّه يقتضي الفور دون التّراخي لمثل ما دللنا عليه من أنّ الأمر يقتضي الفور ، فالأدلة فيها سواء (٢).
وأيضا : فلو لم يقتض ذلك في الثّاني لوجب أن يقترن به البيان ، فمتى لم يقترن به البيان دلّ على أنّه قبيح في الثّاني.
فأمّا النّواهي الواردة في القرآن والسّنة وأنّها تقتضي التأبيد ، فإنّما علمنا ذلك بدليل من إجماع وغيره فلا يمكن الاعتماد على ذلك ، كما أنّ بمثل ذلك علم أنّ الأوامر على التّكرار عند الأكثر.
فأمّا النّهي المقيّد بوقت : فلا خلاف بين المحصّلين أنّه لا يقتضي وجوب الانتهاء في غير ذلك الوقت ، وإنّما يعلم ذلك بدليل مثل ما قلناه في الأمر المقيّد (٣).
فأمّا النّهي عن شيء فليس بأمر ضدّه (٤) لا لفظا ولا معنى لمثل ما قلناه في الأمر سواء ، وإنّما يدلّ على أنّ ما عدا المنهيّ عنه من أضداده مخالف له ، إذا كان صادرا من حكيم ، لأنّه إذا كان دلالة على القبح فما عدا ذلك الشيء لو كان قبيحا مثله لوجب أن ينهى عنه أيضا كما نهى عن ذلك ، فلمّا لم ينه عن جميع أضداده ولا عن بعضها دلّ على أنّه مخالف له.
وقد تكون (٥) مخالفته له بأن تكون واجبا وندبا ومباحا ، فلا يمكننا أن نقول : إنّه لو كان في أضداده ما هو واجب أو ندب لوجب بيانه ، فلمّا لم يبيّن دلّ على أنّها
__________________
(١) هذا مبنيّ على مذهب الشّيخ الطوسي من أنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة والمجاز ، وأنّ الاستدلال بقرينة تدلّ على استعمال النّهي في التكرار لا يفيد ولا يثبت الاستعمال الحقيقي.
(٢) راجع استدلالات الشّيخ الطوسي في صفحة ٢٣٦.
(٣) انظر إلى أدلّة الشيخ الطوسي في الأمر المؤقّت في صفحة ٢٣٣.
(٤) النّهي عن الشّيء فليس بأمر بضدّه.
(٥) كان.