في صيغة الأمر ، ولأجل هذا قلنا في قوله تعالى : (لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)(١) أنّ صورته صورة النّهي وليس ما تناوله قبيحا بل الأولى تركه ، وعبّر عن ذلك بأنّه نهي بقوله تعالى : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ)(٢) مجازا من حيث كانت صورته صورة النّهي على الحقيقة ، إلّا أنّ هذا مجاز لا يثبت إلّا بدليل ، والأوّل هو الحقيقة.
والدّلالة على ذلك ما دللنا به على صورة الأمر سواء (٣).
وشرائط حسن النّهي تقارب شرائط (٤) الأمر على السواء.
فأمّا اقتضاؤه التكرار أو الامتناع مرّة واحدة ، فأكثر المتكلّمين والفقهاء ممّن قال : إنّ الأمر يقتضي الفعل مرّة واحدة ، ومن قال : إنّه يقتضي التكرار ، قالوا في النّهي إنّه يقتضي التكرار (٥).
ومنهم من سوّى بينهما وقال : الظّاهر يقتضي الامتناع مرّة واحدة وما زاد على ذلك يحتاج إلى دليل.
ومنهم من وقف في ذلك كما وقف في الأمر.
والّذي يقوى في نفسي : أنّ ظاهره يقتضي الامتناع مرّة واحدة وما زاد على ذلك يحتاج إلى دليل ، وإنّما قلنا ذلك من حيث إنّ النّهي إذا كان دلالة على قبح المنهيّ عنه إذا صدر من حكيم إنّما يدلّ على أنّه قبيح في الثّاني لأنّ مقتضاه الفور ، وما بعد ذلك من الأوقات لا يعلم أنّ الفعل فيها قبيح بل يحتاج إلى دليل ، فمن ادّعى تساوي الأوقات في ذلك كمن ادّعى تساوي الأوقات في اقتضاء الأمر الفعل فيها ، وذلك باطل على ما بيّناه (٦).
__________________
(١) البقرة : ٣٥.
(٢) الأعراف : ٢٠.
(٣) راجع استدلال المصنّف على مختاره في صفحة ١٦١.
(٤) زيادة من النسخة الثّانية.
(٥) انظر التعليقة رقم ١ صفحة ١٩٩.
(٦) انظر بيان المصنف في صفحة ٢٣٥ ، والتعليقة رقم ١ في صفحة ٢٣٣.