يتقدّم لم يفد التّرغيب (١) في الفعل. ولا يصحّ منه أن يستدلّ به على وجوبه عليه ، فيجب تقدّمه عليه من هذا الوجه.
فأمّا قول من قال من المجبّرة : إنّ ما يتقدّم يكون إعلاما ، ومن شرط الأمر أن يقارن الفعل (٢) فغلط ، لأنّهم إن أرادوا بقولهم : إنّه إعلام ، أنّه ممّا يصحّ أن يعلم به لزوم المأمور به في وقته ، فهو خلاف في عبارة (٣).
وإن قالوا : يعلم به أنّ الآمر سيحدث في وقته أمرا آخر ، فليس في الأمر المتقدّم دلالة على ذلك.
على أنّ هذا القول من قائله دفع لما يعلم ضرورة خلافه ، لأنّ الأوامر في الشّاهد لا تكون قطّ إلّا متقدّمة ، ومتى لم تكن كذلك لم تحسن ، فكذلك أوامر الله تعالى. ألا ترى أنّه إنّما يحسن من الواحد منّا أن يأمر غلامه أن يسقيه ماء قبل أن يسقيه ويصحّ (٤) منه أن يسقيه ، فأمّا في حال ما سقاه فلا يحسن ذلك ، فمن ارتكب حسن ذلك كان دافعا للضّرورات.
وأمّا تقدّمه قبل وقت الفعل بأوقات (٥) فليس بواجب ، لكنّه يحسن إذا كان فيه معنى نحو أن يكون فيه صلاح لمن خوطب به ، بأن يكلّف أداؤه إلى من أمر به ممّن يوجد في المستقبل ، نحو أوامر الله تعالى لنا في وقت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)(٦) لأنّه لا خلاف بين الأمّة أنّه أمر لسائر المكلّفين ، وأنّ أهل كلّ عصر قد كلّفوا أداءه إلى أهل العصر الثّاني.
__________________
(١) في الأصل : التركيب.
(٢) وهو قول المجبّرة ـ كما نسبه إليهم المرتضى ـ وابن الراوندي وعباد الصيمري ـ من المعتزلة ـ راجع التعليقة رقم (٢) صفحة ٢٤٩.
(٣) انظر : الذريعة ١ : ١٧٢.
(٤) في الأصل : أيصحّ.
(٥) انظر التعليقة رقم (٢) صفحة ٢٤٩.
(٦) الروم : ٣١.