ذلك ، وكذلك الواقف بين يدي السّبع لا يحسن أن يكلّف العدو.
فأمّا من قال : لا يحسن أن يكلّف الإنسان قتل نفسه لأنّه ملجأ إلى ذلك فغلط ، لأنّ الإلجاء إنّما هو إلى أن لا يقتلها ، فأمّا إلى قتلها فليس بحاصل. وعلى هذا يحسن أن يكلّف قتل نفسه ، ولهذا أخبر الله تعالى عن قوم فيما مضى أنّه كلّفهم قتل نفوسهم بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ)(١) ، وكذلك يحسن أن يكلّف من شاهد السّبع الوقوف ، لأنّ الإلجاء إنّما هو إلى الهرب لا إلى الوقوف.
وأمّا الصّفات الّتي يجب كون الأمر عليها :
فإن يكون متقدّما على الوقت الّذي كلّف المأمور أن يفعل فيه (٢) ، لأنّه متى لم
__________________
الدواعي لا يستحق الثواب الّذي هو الفرض بالتكليف». وقد أضاف أبو الحسين البصري علاوة على الإلجاء ـ شرطا آخر وهو عدم الاستغناء (راجع : المعتمد ١ : ١٦٥).
(١) البقرة : ٥٤.
(٢) اختلف الأصوليون والمتكلّمون حول وقت صدور الأمر بالتكليف بلحاظ وقت وجوب الفعل على قولين :
١ ـ يجب تقديم الأمر على وقت وجوب الفعل : وهو مذهب عامّة المتكلّمين ، والأصوليين ، والمعتزلة ، ولكنّهم اختلفوا في مدّة التقديم ، فالأشاعرة بناء على معتقدهم من أزليّة أوامر الله تعالى يقولون : إنّه ليس به بداية ووقت ، بل هو ثابت أزليّ سابق على وقت وجوب المأمور به بلا نهاية. وأمّا المعتزلة فقد اختلفوا فقال بعضهم : إنّه لا يجوز التقديم إلّا بوقت واحد ، وقال آخرون : يجوز التقدّم بوقت وأوقات كثيرة. ولهم تفصيلات أخرى في هذا المجال.
٢ ـ يجب تقارن الأمر مع وجوب الفعل : وهو مذهب شرذمة كابن الراوندي ، وعبّاد الصيمري ـ من المعتزلة ـ وابن عقيل الحنبلي ، والأشعري ، والبيضاوي ، وقالوا : يجب أن يكون الأمر مقارنا للفعل المأمور به ، وإذا سبق الأمر زمان الفعل المأمور به يكون ذلك إعلاما لا أمرا.
أمّا الإماميّة : فقد ذهب المفيد (ره) إلى أنّ (الأمر بالشيء لا يكون إلّا قبله لاستحالة تعلّق الأمر بالموجود) ، وتابعة على ذلك الشّريف المرتضى لكنّه لم يقيد فترة تقدّم الأمر بوقت واحد بل قال : (لا يحدّ في ذلك حدّا معيّنا ، بل يعلّق ذلك بصفة معقولة ، وهو أن يتمّ بذلك التقدّم الفرض في الأمر من دلالة على وجوب الفعل وترغيب فيه وبعث عليه) وهذا التفصيل هو مختار الشيخ الطوسي.
انظر : «المعتمد ١ : ١٦٦ ، ميزان الأصول ١ : ٢٨٩ ـ ٢٨٦ ، الذريعة ١ : ١٧١ ـ ١٧٠ ، التذكرة : ٣٢».