فيما تقدّم (١) ، وهي أن يكون الآمر فوق المأمور ، وهذا ، لا يصحّ أن يكون بين الإنسان وبين نفسه ، والخبر ليس كذلك ، فإنّه يجوز أن يخبر الإنسان عن نفسه ويجمع بينه وبين غيره في تناول الخبر لهما لأنّ الرّتبة غير مراعاة في الخبر.
وليس لهم أن يقولوا : ليس هذا المثال مثالا للآمر ، لأنّكم قلتم «لا يحسن أن يأمر الإنسان نفسه» ومثل هذا موجود في الخبر ، لأنّه لا يحسن أيضا أن يخبر نفسه فأمّا الإخبار عنها فليس بمشبه (٢) لذلك ، وذلك أنّه إنّما لا يحسن أن يخبر الإنسان نفسه لأنّه عبث ، لأنّ الخبر إنّما وضع للإفادة ، فإذا كان عالما بما يخبر به فإخباره نفسه بذلك لا فائدة فيه وكان عبثا. وليس كذلك الأمر ، لأنّه إنّما قبح لفقد الرّتبة المراعاة في كونه آمرا.
وكذلك القول إذا أخبر غيره بلفظ فلا يجوز أن يقصد باللّفظ إخبار نفسه ، لما قلناه من أنّه عبث ، وإنّما قلنا أنّه يصحّ أن يخبر عن نفسه ليعلم بذلك أنّ الرّتبة غير مراعاة في الخبر أصلا.
فإذا ثبتت هذه الجملة ، فالنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أمر غيره بفعل لا يدلّ ذلك على أنّه مأمور به أيضا ، إلّا أن يدلّ دليل على ذلك فيحكم به لأجل الدّليل ، ويفارق ذلك أفعاله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنّها بالعكس من أوامره ، لأنّ أفعاله تختصّه ولا يعلم أنّها متعدّية إلى غيره إلّا بدليل ، وأوامره متعدّية ولا يعلم تناولها له إلّا بدليل ، فاختلف الأمران.
__________________
(١) انظر التعليقة رقم (١) صفحة ١٥٩.
(٢) يشبه.