قيل لكم : وهذا أيضا باطل ، لأنّه يكون له إغراء بالقبيح ، لأنّه إذا علم أنّه متى لم يفعل الواجب في الأول ـ مع أنّه يستحقّ العقاب عليه ـ سقط عقابه ، كان ذلك إغراء.
قيل له : ليس ذلك إغراء ، لأنّه إنّما علم إسقاط عقابه إذا بقي إلى الثّاني وأدّاها ، وهو لا يعلم أنّه يبقى إلى الثّاني حتى يؤدّيها ، فلا يكون مغرى بتركها.
وليس لهم أن يقولوا : فعلى هذا لو مات عقيب الوقت الأوّل ينبغي أن لا يقطع على أنّه غير مستحق للعقاب ، وذلك خلاف الإجماع إن قلتموه.
وذلك أنّ هذا الإجماع غير مسلم بل الّذي نذهب إليه أنّ من مات في الثّاني مستحق للعقاب وأمره إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ، فادّعاء الإجماع في ذلك لا يصحّ.
فأمّا من خيّر بين الأوقات ولم يوجب العزم في الأوّل بدلا (١) منه ، فإنّ ذلك ينقض كونه واجبا لأنّ هذا حكم النّدب ، فما (١) أدّى إلى مساواة الواجب للنّدب ينبغي أن يحكم ببطلانه.
ومن قال : إنّه نفل في الأوّل (٣) ، فقوله يبطل بما ثبت من اقتضاء الأمر الإيجاب ، فمن خالف في ذلك كان الكلام في مسألة أخرى ، وقد مضى الكلام فيها (٤).
ويدلّ أيضا على بطلان هذا القول : أنّ الصّلاة في أوّل الوقت لو كانت نفلا لكان
__________________
(١) وهو قول جماعة من الفقهاء والمتكلّمين كالرازي وأتباعه وبه قال أصحاب الشّافعي ، ومحمّد بن شجاع البلخي الحنفي ، وأبو الحسين البصري من المعتزلة ، والغزالي في «المنخول». راجع المصادر الواردة في التعليقة رقم ١ صفحة ٢٣٣.
(٢) في الأصل : ممّا.
(٣) هذا مذهب العراقيين من أهل الرّأي والقياس من أصحاب أبي حنيفة ، فإنّ أكثرهم ذهبوا إلى أنّ الوجوب يتعلّق بآخر الوقت ثمّ اختلفوا في صفة المؤدّي في أوّل الوقت ، فاختار جماعة منهم أنّ الأداء في الأوّل يقع نفلا وهذا يمنع من لزوم الغرض إيّاه في آخر الوقت إذا كان على صفة يلزمه الأداء فيها بحكم الخطاب ، لأنّ بأدائه حصل ما هو المطلوب من المأمور به. انظر المصادر الواردة في التعليقة رقم ١ ص ٢٣٣.
(٤) راجع كلام المصنّف حول مقتضى الأمر في صفحة ١٧٢ حيث يقول : «والّذي يقوى في نفسي أنّ الأمر يقتضي الإيجاب لغة وشرعا ...»