المجاز ، لأنّه لو كان حقيقة لوصف بأنّه دالّ ، وذلك لا يقوله أحد ، لأنّا نعلم أنّه يجتهد في إخفاء أمره ، وأن لا يعلم به ، فكيف يجوز وصفه بأنّه دالّ! ، وتستعمل هذه اللّفظة في العبارة عن الدّلالة ، ولهذا يقول أحد الخصمين لصاحبه أعدّ دلالتك ، وإنّما يريد به كيفيّة عبارتك عنها ، وذلك مجاز.
وإنّما استعير ذلك من حيث كان السّامع لذلك إذا تأمّله كان أقرب إلى معرفة المدلول عليه ، كما أنّه عند النّظر في الدّلالة كذلك.
وتوصف الشّبهة بأنّها دلالة مجازا ، ولهذا يقال دلالة المخالف.
ومن حقّ الدّلالة أن تكون معلومة للمستدلّ بها على الوجه الّذي تدلّ على ما تدلّ عليه ، حتّى يمكنه الاستدلال بها ، ولا فرق بين أن يعلم ذلك ضرورة أو استدلالا.
ولا يجب في الأدلّة أن تكون موجودة ، ولأجل ذلك صحّ الاستدلال (١) * بمجيء الشّجرة ، وحنين الجذع على نبوّة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وبكلامه على الأحكام ، وإن كان ذلك كلّه معدوما.
ولا يجب في الأدلّة أن يعلم بدلالة أخرى ، ويجوز ذلك فيها ، إلّا أنّها لا بدّ أن تنتهي إلى دلالة يعلم صفتها ضرورة ، وإلّا أدّى إلى ما لا يتناهى من الأدلّة.
والدّال : هو من فعل الدّلالة ، لأنّه مشتق منها ، فجرى في ذلك مجرى الضّارب في أنّه مشتق من الضّرب ، وعلى هذا يصحّ أن يقال : إنّ الله تعالى دلّنا على كذا ، فهو دالّ ، وكذلك (٢) النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم دلّنا على كذا وكذا فهو دالّ. وقد يتجوَّز في ذلك فيعبّر به عن الدّلالة فيقولون : قول الله تعالى ، وقول النبي (٣) دالّ على كذا وكذا من الأحكام ، وإن كان الدّال في الحقيقة هو الله تعالى والرّسول على ما بينّاه ،
__________________
(١) * قوله : (صحّ الاستدلال) أي استدلالنا ، وظاهر هذا أنّ العلم الحاصل بالمعجز نفسه كسبيّا كما في زماننا عند من يذهب إلى كسبيّة التواتر.
(٢) وكذا.
(٣) الرسول.