مقتضاها على ما كان ، إلا أن يدل دليل (١)* على خلاف ذلك فتحمل عليه ، كما إذا دل دليل ابتداء على خلاف مقتضاها في أصل الوضع مما عليه.
والّذي يدل أيضا على ذلك : أن كون الأمر واردا عقيب الحظر اللفظي ليس بأكثر من كونه واردا عقيب الحظر العقلي ، ألا ترى أن الصلاة ورمي الجمار وغير ذلك من الشرعيات قبيح بالعقل فعلها ، ومع ذلك لما ورد الشرع بها وتناولها الأمر حمل ذلك على الوجوب أو الندب على الخلاف فيه ، ولم يكن ما تقدمها من الحظر العقلي موجبا لإباحتها.
وكذلك حكم الأمر إذا ورد عقيب الحظر اللفظي ينبغي أن يكون حكمه حكم ما ورد ابتداء ، ولا يؤثر في تغيير ذلك ما تقدمه من الحظر إلا بدليل.
فأما تعلقهم في ذلك بأن قالوا (٢) : الحظر لما كان منعا من الفعل ينبغي أن يكون الأمر رافعا لذلك ، وذلك يفيد الإباحة.
فان الّذي يقتضيه هذا الاعتبار أنه ينبغي أن يكون الأمر مخالفا لحكم الحظر ، وكذلك نقول ، وقد يكون مخالفا له بأن يقتضي الوجوب أو الندب أو الإباحة ، فمن أين أن المراد أحدهما دون الآخر؟ وكل ذلك يزيل حكم الحظر ، فسقط التعلق بذلك.
فأما تعلقهم في ذلك بأن أوامر القرآن الواردة عقيب الحظر كلها كذلك نحو قوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا)(٣) ، ونحو قوله : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا)(٤) وما جرى مجرى ذلك (٥) ، فينبغي أن يكون حقيقتها ذلك (٦). فليس (٧) بصحيح لأنا
__________________
(١) * الظاهر أن المراد به الدليل الدال على كون المعنى المجازي كالإباحة مستعملا فيه في بعض الأفراد ، ويحتمل أن يكون المراد الدليل الدال على أن هذا الأمر حقيقة في الإباحة مطلقا.
(٢) انظر التبصرة : ٣٨.
(٣) الجمعة : ١٠.
(٤) المائدة : ٢.
(٥) نحو قوله تعالى : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)[البقرة : ٢٢٢].
(٦) انظر : (التبصرة : ٤٠ ، المعتمد ١ : ٧٧ ، ميزان الأصول ١ : ٢٢٨).
(٧) في الأصل : ليس.