الإيجاب ، ولأجل (١) ذلك ذموه ، لأن ذلك يفسد من وجهين :
أحدهما : (أن العقلاء) (٢) إذا ذموه علقوا الذم بمخالفة الأمر دون غيره ، حتى إذا استفسروا عن ذلك عتبوا عليه وقالوا : لأنه خالف أمر مولاه.
والثاني : أنه لو كان الأمر على ذلك لوجب أن لا يذمه إلا من عرف تلك القرينة ، وفي علمنا بذمهم له ـ وإن لم يعلموا أمرا آخر أكثر من مخالفته للآمر ـ دليل على تعليق الذم بذلك حسب ما قلناه.
فأما قول من قال : إنه يقتضي إرادة المأمور به فحسب (٣) ، فقد بينا في الفصل الأول أن الأمر لا يدل على إرادة المأمور به من حيث كان أمرا ، وأنه إذا دل فإنما دل لأمر آخر غير مطلق الأمر ، فسقط الاعتراض بذلك.
ولا يمكن أن يدعى الاشتراك (٣) من حيث وجدت أوامر كثيرة مستعملة في الندب ، لأن ذلك إنما يكون كذلك على ضرب من المجاز ، وقد بينا أن الاستعمال ليس بدلالة على الحقيقة لأنه حاصل في الحقيقة والمجاز.
فإن قيل : ما أنكرتم على من قال : إنهم عقلوا هناك قرينة لأجلها ذموا العبد إذا خالف سيده؟ وذلك أنه إذا أمره بمنافع نفسه فإن فوتها يضر به فلا بد أن يكون موجبا عليه ، وإذا أمره بمنافع تعود إلى العبد ولا يستضر هو بفوتها لم يدل على ذلك ولا يذمونه متى خالف.
قيل له : هذا يسقط للوجهين اللذين قدمناهما :
أحدهما : أنهم علقوا (٤) الذم بمخالفة الأمر دون غيره ، وكان ينبغي على ما اقتضى هذا السؤال أن يعلقوا الذم بدخول الضرر على السيد أو فوت المنفعة ، وقد علمنا خلاف ذلك.
__________________
(١) فلأجل.
(٢) زيادة في النسخة الثانية.
(٣) انظر التعليقة في صفحة ١٧٠ هامش رقم (١).
(٤) في الأصل : تعلقوا.