وذهب كثير من المتكلمين إلى الوقف (١) في ذلك (٢) ، وقالوا : لا نعلم بظاهر اللفظ أحد الأمرين ويحتاج في العلم بأحدهما إلى دليل ، وهو الّذي اختاره سيدنا المرتضى (٣) رحمهالله (٤) ، غير أنه وإن قال ذلك بمقتضى اللغة ، فانه يقول :
«إنه استقر في الشرع أن أوامر الله تعالى ، وأوامر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام على الوجوب» (٥).
والّذي يقوى في نفسي أن الأمر يقتضي الإيجاب لغة وشرعا ، ويحتاج أن ينظر في حكم الآمر ، فإن كان حكيما علم أن له صفة الوجوب ، وإن لم يكن حكيما لم يعلم بأمره صفة الفعل ، لأنه يجوز أن يوجب ما هو قبيح ، وما هو واجب وما ليس بواجب ولا قبيح فظاهر أمره لا يدل على أحدهما.
والّذي يدل على ذلك : أني وجدت العقلاء بأسرهم يوجهون الذم إلى العبد إذا خالف أمر سيده ويوبخونه على ذلك ، فلو لا أنهم علموا أن الأمر يقتضي الإيجاب لما جاز منهم ذمه على حال ، لأنه إن كان مقتضيا للندب فلا يستحق تاركه الذم ، وإن كان مشتركا احتاج إلى بيان المراد ، فلا يستحق الذم إذا تركه وخالفه ، وفي علمنا بذلك دليل على صحة ما اخترناه.
وليس لأحد أن يعلق ذم العقلاء للعبد بقرينة تنضاف إلى الأمر عقل منها
__________________
(١) ليس المقصود من الوقف هو الامتناع عن اتخاذ الموقف العملي تجاه صيغة الأمر مطلقا ، بل المقصود هو تفسير الغزالي (في المستصفى ١ : ١٦٥) حيث يقول : «لسنا نقول : التوقف مذهب لكنهم أطلقوا هذه الصيغة للندب مرة وللوجوب أخرى ، ولم يوقفونا على أنه موضوع لأحدهما دون الثاني ، فسبيلنا أن لا ننسب إليهم ما لم يصرحوا به ، وأن نتوقف عن التوقف والاختراع عليهم».
(٢) انظر التعليقة رقم (١) صفحة ١٧٠.
(٣) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٥١.
(٤) قدس الله روحه.
(٥) يقول الشريف المرتضى (ره) (الذريعة : ١ ـ ٥٣) : «نحن وإن ذهبنا إلى أن هذه اللفظة مشتركة في اللغة بين الندب والإيجاب ، فنحن نذهب إلى أن العرف الشرعي المتفق المستمر قد أوجب أن يحمل مطلق هذه اللفظة إذا وردت عن الله تعالى ، أو عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على الوجوب دون الندب».