ولا يمتنع أن يسمّى أيضا جميع ذلك استدلالا ، وإنّما يختصّ بتسميته الاكتساب ما يفعله ابتداء ، على ما بيّناه عند الانتباه ، فإنّ ذلك لا يجوز أن يسمّى استدلالا.
ومن حقّ العلوم المكتسبة أن تتأخّر عن الضروريّة ، لأنّها فرع عليها ، أو كالفرع.
وأمّا الظنّ : فعندنا وإن لم يكن أصلا في الشّريعة تستند الأحكام إليه (١) *، فإنّه تقف أحكام كثيرة عليه ، نحو تنفيذ الحكم عند الشّاهدين ، ونحو جهات القبلة ، وما يجري مجراها ، فلا بدّ أن نذكر (٢) حدّه.
وحدّه : «ما قوي عند الظّان كون المظنون على ما ظنّه ، ويجوز مع ذلك كونه على خلافه».
وهذا أولى ممّا قاله قوم من أنّه : «ما أوجب كون من وجد في قلبه ظنا» (٣) ، لأنّه بهذا (٤) لا يبين (٥) من غيره ، لأنّه يحتاج بعد إلى تفسير ، فالأولى ما ذكرناه.
وبما قلناه يبين من العلم ، لأنّ العالم لا يجوز كون ما علمه على خلافه. وكذلك به يتميّز من الجهل ، لأنّ الجاهل يتصوّر نفسه بصورة العالم ، فلا يجوّز خلاف ما اعتقده ، وإن كان يضطرب عليه حاله فيما (٦) يجهله ، من حيث لم يكن ساكن النّفس ، ولأنّه اعتقاد لا على ما هو (٧) * به ، وليس كذلك الظنّ.
__________________
(١) * إشارة إلى أنّه مجمع عليه بين الإماميّة وانّ المخالفين هم القائلون بصحّة الاجتهاد في نفس الأحكام الفقهيّة ، والأصل هنا الدليل ، والاستناد الاعتماد الكلّي ، والمراد بالأحكام الأحكام الفقهيّة الواصليّة. وقوله : (تستند الأحكام إليه) تفسير لكونه أصلا يعني كون الحكم الفقهي الواقعي مظنونا ليس دليلا على الحكم الفقهي الواصلي ، أي ليس الاجتهاد من أدلّة الفقه ومستلزما للعلم بالفقه في مسألة من المسائل.
(٢) يذكر.
(٣) ظانا.
(٤) أي بهذا التعريف المذكور ثانيا لا يتميّز الظّن عن غيره إلّا بتوضيح وتفسير.
(٥) يتبيّن.
(٦) ممّا.
(٧) قوله : «ولأنّه اعتقاد» كذا في النسخ ، وكأنّه عطف تفسير لقوله (من حيث لم يكن ساكن النّفس) ، والأولى