إلى اعتبار الرتبة (١)* ، وليس يمكن مثل ذلك في صيغة الخبر ، لأنهم فرقوا بينها وبين صيغة الأمر في أصل الوضع دون اعتبار أمر آخر.
فإن قيل : أليس القائل إذا قال لغيره : «أريد أن تفعل كذا» وكان دون المقول له يسمى سائلا ، فينبغي إذا قال ذلك وهو فوقه أن يسمى آمرا.
قيل له : هذا إثبات اللغة بالقياس وذلك لا يجوز ، لأنه ليس إذا كان للسؤال لفظتان يطلق على مستعملهما لفظ السائل ينبغي أن يكون حكم الأمر مثل ذلك ، ولو جاز ذلك لأدى إلى بطلان ما بيناه من اعتبار أهل اللغة الفرق بين هذه الصيغ ، ولو لزم ذلك للزم أن تسمى الإشارة أمرا ، لأن المشير قد يشير بما يفهم منه استدعاء الفعل ويسمى سائلا ، ولا يقول أحد : إنه آمر على حال.
فإن قيل : فلو لم يحتج في كونه آمرا إلى إرادة المأمور به ، جاز أن يكون كارها له ، وقد علمنا استحالة ذلك.
قيل له : إن أردت بأنه إذا استدعى الفعل لا يجوز أن يكون كارها له بمعنى أن ذلك مستحيل ، فليس الأمر كذلك بل ذلك يمكن.
وإن أردت أن ذلك لا يحسن ، فهو مسلم لأنه متى استدعى الفعل وكان كارها له كان مناقضا لغرضه.
وإن فرضنا أن الآمر حكيم يدل أمره على حسن المأمور به ، فلو كرهه لكان مقبحا (٢)* ، وذلك لا يجوز على الحكيم ، فلأجل ذلك لا يجوز ، ومتى فرض فيمن ليس بحكيم فإن جميع ذلك جائز غير مستحيل.
وأما حملهم ذلك على النهي بأن قالوا : لما كان من شرط النهي أن يكون كارها للمنهي عنه وجب في الآمر أن يكون مريدا للمأمور به.
فالجواب عنه : أن الكلام في النهي كالكلام في الأمر في أن ذلك ليس
__________________
(١) * أي خارج عن حقيقة افعل.
(٢) * يقال : أقبح فلان إذا أتى بقبيح.