وليس لهم أن يقولوا : إن المجاز طار والحقيقة هي الأصل. بدلالة أنه يجوز أن تكون حقيقة لا مجاز لها ، ولا يجوز أن يكون مجاز لا حقيقة له. فعلم بذلك أن أصل الاستعمال الحقيقة ، وذلك أن الّذي ذكروه غير مسلم لأنه لا يمتنع أن يكون الواضعون للغة وضعوا للفظه ونصوا على أنه إذا استعملت في شيء بعينه كانت حقيقة ومتى استعملوها في غيره كانت مجازا.
وإن لم يقع استعمال اللفظة (١) في واحد من المعنيين ثم يطرأ على الوضع الاستعمال ، فربما استعملوها أولا في الحقيقة ، وربما استعملوها أولا في المجاز.
وإنما كان يتم ذلك (٢)* لو جعلوا الاستعمال نفسه طريقا إلى معرفة الحقيقة ، فيجعل ما ابتدئ باستعماله حقيقة ، قد بينا أنا لا نقول ذلك.
فإن قيل : أليس القائل إذا قال لغيره : «أريد منك أن تفعل كذا» ، ناب ذلك مناب قوله : «افعل» ، فينبغي أن يكون معناهما واحدا (٣)*.
قيل له : نحن لا نمنع أن يكون لاستدعاء الفعل لفظة أخرى ، لأنا ما ادعينا أنه لا لفظة يستدعي به الفعل إلا قول القائل «افعل» بل الّذي ادعيناه أن هذه اللفظة يستدعى بها الفعل ، وإن شاركها غيرها في فائدة هذه اللفظة ، إلا أنه متى قال : «أريد أن تفعل كذا» لا يسمى أمرا بل يكون مخبرا ، والخبر غير الأمر.
وليس لهم ان يقولوا : إن السؤال أيضا لا يسمى أمرا ، وهو لاستدعاء الفعل (٤) على ما قررتموه.
لأنا قد بينا أن معناهما (٥)* واحد ، وإنما فرقوا بينهما في التسمية لشيء يرجع
__________________
(١) في الأصل : لفظة.
(٢) * أي قولهم «ولا يجوز أن يكون مجاز لا حقيقة له».
(٣) * أي يلزم أن تكون صيغة الخبر أمرا فلا تكون صيغة الخبر ، مختصا بالخبر وأنتم تدعون أن فرقهم بين هذه الصيغ يدل على الاختصاص.
(٤) في الأصل : الأمر.
(٥) * أي معنى «افعل» الّذي للسؤال ، و «افعل» الّذي للأمر.