ولو كان الأمر على ما قالوه لما كان لفرقهم بين هذه الصيغ معنى ، وقد علمنا أنهم فرقوا.
إنما (١) قلنا ذلك : لأنه إذا كان الاعتبار بإرادة المأمور به على قولهم ، فلو صادف (٢) ، ذلك قول القائل «لا تفعل» لكان أمرا (٣)* ، وكذلك لو صادف كراهة ذلك لقوله «افعل» لكان نهيا ، وهذا يؤدي إلى أنه لا فرق بين هذه الصيغ ، والمعلوم من حال أهل اللغة خلاف ذلك.
ولا يلزمنا مثل ذلك بأن يقال : أليس قد استعمل صيغة الخبر في الأمر نحو قوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)(٤) ، ونحو قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ)(٥) ، وما أشبه ذلك.
وكذلك استعمل صيغة الأمر في النهي وغيره من الأقسام نحو الإباحة ، والتحدي ، والتكوين ، وغير ذلك.
لأنا نقول : إنما استعملوا ذلك على وجه المجاز دون الحقيقة.
فإن قيل : ظاهر استعمالهم يدل على أنه حقيقة (٦)* في الموضعين.
قيل له : لا نسلم أن نفس الاستعمال يدل على الحقيقة ، لأن المجاز أيضا مستعمل ، وإنما يعلم كون اللفظ حقيقة بأن ينصوا لنا على أنها حقيقة ، أو نجد اللفظة تطرد في كل موضعين ، أو غير ذلك من الأقسام التي قدمنا ذكرها فيما مضى للفرق بين الحقيقة والمجاز ، وليس مجرد الاستعمال من ذلك.
__________________
(١) في الأصل : وإذا ما.
(٢) في الأصل : فلو أرضاه.
(٣) * أي لجاز أن يكون أمرا بالنظر إلى مجرد فرقهم.
(٤) آل عمران : ٩٧.
(٥) البقرة : ٢٢٨.
(٦) * أي ظاهرا.