التحدي نحو قوله : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ)(١) ، وفي تكوين الشيء نحو قوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)(٢) ، وما أشبه ذلك من الوجوه كانت مجازا خارجة عن باب ما وضعت له. وهذا مذهب كثير من الفقهاء والمتكلمين (٣).
وقال جماعة من الفريقين (٤) : إن هذه الصيغة مشتركة بين جميع ذلك حقيقة فيه ، وإنما يختص ببعضها بالقصد ، فإذا أراد المأمور به كان أمرا وسؤالا بحسب الرتبة ، وإن كره الفعل كان ذلك نهيا وتهديدا.
والّذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه (٥)* : أن أهل اللغة فرقوا بين صيغة الأمر وصيغة النهي وصيغة الخبر ، فقالوا :
صيغة الأمر قول القائل لمن هو دونه : افعل.
وصيغة النهي قول القائل لمن هو دونه : لا تفعل.
والخبر مركب من مبتدأ وخبر ، ومن فعل وفاعل نحو قولهم : «زيد في الدار» ، ونحو «قام زيد».
__________________
(١) هود : ١٣.
(٢) البقرة : ٦٥.
(٣) انظر : «شرح اللمع ١ : ١٩٩ ، ميزان الأصول ١ : ٢٠٠ ، التبصرة : ٢٢ ، الإحكام : ٣ : ٢٧٣».
(٤) نسب أبو إسحاق الشيرازي إلى بعض الأشعرية تارة (شرح اللمع ١ : ١٩٩) وأخرى إلى عامتهم (التبصرة : ٢٢) بأن الأمر «لا صيغة له تدل على الفعل ، بل هذا اللفظ يحتمل الفعل ويحتمل الترك» وأن «قوله أفعل لا يدل على الأمر إلا بقرينة». وهنا تفصيل للغزالي حيث يقول (المستصفى ١ : ١٦٤) ، لا خلاف أنه لو قال الشارع : أمرتكم بكذا ، أو لستم بمعاقبين تدلان على الوجوب والندب ، «وإنما الخلاف في قوله : (افعل) هل يدل على الأمر بمجرد صيغته إذا تجرد عن القرائن؟ فإنه قد يطلق على أوجه منها الوجوب ...» ، وأما الشريف المرتضى (ره) فإنه ذهب (الذريعة : ١ ـ ٣٨) «إلى أن هذه اللفظة ، مشتركة بين الأمر وبين الإباحة وهي حقيقة فيهما ، ومع الإطلاق لا يفهم أحدهما وإنما يفهم واحد دون صاحبه بدليل».
(٥) * ما ذهب إليه أمران : الأول : عدم العبرة بالإرادة على نحو ما ذهبوا إليه من كون «افعل» أمرا بالإرادة ونهيا بالكراهة. والثاني : عدم مدخلية الإرادة في كون «افعل» أمرا. ولم يتعرض في الدليل للثاني لأنه موافق للأصل ، وظاهر من اكتفائهم في صيغة الأمر «بقول القائل لمن دونه افعل» من دون اشتراط إرادة.