وإذا لم يكن ذلك دالا على الحقيقة بطل التعلق به.
وقد أبطلنا أن يكون ذلك على وجه الحقيقة بما ذكرناه من الأدلة.
وأما قوله تعالى (١)* : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)(٢) وقوله : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ)(٣) فقد قيل فيه وجهان :
أحدهما : أنه لا نسلم أن ذلك عبارة عن الفعل ، بل لا يمتنع أن يكون أراد بذلك أمره الّذي هو قوله : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ) الّذي هو قوله.
ولا يطعن على هذا الوجه مساواة أفعاله في هذا الوصف وفي كونها (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) في سرعة تأتيها منه.
لأن ذلك يعلم بدليل آخر ، وبخبر آخر ، وكذلك يعلم بشيء آخر أن أفعال فرعون مثل أقواله في كونها غير رشيدة ، فلا يمكن التعلق بذلك.
والوجه الآخر : أن ذلك مجاز لما دللنا عليه من قبل (٤).
وأما من تعلق في ذلك بأن أهل اللغة جمعوا «الأمر» الّذي هو من قبيل الأقوال «أوامر» ، وجمعوا «الأمر» الّذي هو من قبيل الأفعال «أمورا» ، فينبغي أن يكون ذلك دلالة على كونها مشتركة فيهما.
فقوله يبطل لأنه يقال له : الصحيح أن «الأمر» لا يجمع «أوامر» فعلا ، وإنما يجمع «أمور» مثل «فلس» و «فلوس» و «زرع» و «زروع» وغير ذلك ، فأما «أوامر» فخارج عن القياس ، فإن سمع ذلك فإنه يكون على أنه جمع الجمع ، فكأنه جمع أولا أمورا ثم جمع أمور أوامر ، وعلى هذا لا يدل على مخالفتهم بين ذلك لاختلاف المعنيين.
وإذا ثبت ما قلناه لا يمكن التعلق بقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ
__________________
(١) * تغيير الأسلوب لأنه مناقشة في المثال بإبداء احتمال آخر فيه.
(١) القمر : ٥٠.
(٢) هود : ٩٧.
(٣) راجع : «تفسير التبيان ٦ : ٥٩ ـ ٥٨».