وقال قوم (١) : هو مشترك بين القول وبين الفعل.
والّذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه : أن أهل اللغة قسموا أقسام الكلام ، فسموا من جملتها قول القائل لمن هو دونه : «افعل» أمرا ، فينبغي أن يكون ذلك عبارة عنه ، ولو جاز لمخالف أن يخالف في ذلك لجاز أن يخالف في سائر ما سموه من أقسام الكلام مثل النهي ، والتخصيص ، والتمني ، والسؤال ، والخبر وغير ذلك ، فإذا كان جميع ذلك صحيحا مسلما فينبغي أن يكون ما ذكرناه مثله.
وأيضا : فإنهم فرقوا في هذه الصيغة بين كونها أمرا ودعاء ومسألة باعتبار الرتبة بأن قالوا : إذا كان القائل فوق المقول له سمي أمرا ، وإذا كان دونه سمي سؤالا وطلبا ودعاء ، فلو جاز المخالفة في تسميته أمرا جاز المخالفة في تسميته سؤالا وطلبا ، وذلك لا يقوله أحد.
وليس لأحد أن يقول : إن تسميتهم لذلك بأنه أمر لا خلاف فيه بل هو مسلم وإنما الخلاف في أن غيره هل يسمى بذلك أم لا؟
لأن من قال : إن (٢) هذه الصيغة مشتركة بين القول والفعل يسلم صحة ذلك ويقول : إنها تستعمل في الفعل (٣) أيضا ، لأنا ندل على فساد هذه الدعوى فيما بعد إن شاء الله تعالى.
والّذي يدل على ما قلناه من أن هذه الصيغة حقيقة في القول دون الفعل ،
__________________
(١) وهو مذهب بعض أصحاب الشافعي وعد منهم أبو العباس بن سريج ، وأبو سعيد الإصطخري ، وأبو علي بن أبي هريرة ، وأبو علي بن جيران ، ومذهب أبي الحسين البصري من المعتزلة حيث يعتقد أن الأمر مشترك بين الشيء والصفة والشأن والطرائق والقول المخصوص. انظر (المعتمد ١ : ٤٠ ـ ٣٩ ، ميزان الأصول ١ : ١٩٧ ـ ١٩٦) والشريف المرتضى (ره) من الإمامية (الذريعة ١ : ٦٨ ـ ٢٧) حيث يذهب إلى الاشتراك بينهما [إلا أن يقوم دليل قاهر يدل على أنه مجاز في أحدهما].
(٢) بأن.
(٣) قال الشريف المرتضى (ره) (الذريعة ١ : ٢٧) : «لا خلاف في استعمال لفظة «الأمر» في اللغة العربية تارة في القول ، وأخرى في الفعل.