والعامة ، وليس من حيث يتعذر عليهم إيراد الحجج في ذلك ينبغي أن يكونوا غير عالمين ، لأن إيراد الحجج والمناظرة صناعة وليس يقف حصول المعرفة على حصوله ، كما قلناه في أصحاب الجمل.
وليس لأحد أن يقول : إن هؤلاء ليسوا من أصحاب الجمل لأنهم إذا سألوا عن التوحيد ، أو العدل ، أو صفات الله تعالى ، أو صحة النبوة ، قالوا كذا روينا ويروون في ذلك كله الأخبار.
وليس هذا طريقة أصحاب الجمل (١)* ، وذلك لأنه لا يمتنع أن يكون هؤلاء أصحاب الجمل وقد حصلت لهم المعرفة (٢) بالله تعالى ، غير أنهم لما تعذر عليهم إيراد الحجج في ذلك أحالوا على ما كان سهلا عليهم ، وليس يلزمهم (٣)* أن يعلموا أن ذلك لا يصح أن يكون دليلا إلا بعد أن يتقدم المعرفة بالله تعالى ، وإنما الواجب عليهم أن يكونوا عالمين ، وهم عالمون على الجملة كما قررناه (٤) ، فما يتفرع عليه الخطأ (٥)* فيه لا يوجب التكفير ولا التضليل.
وأما الفرق الذين أشاروا إليهم من الواقفة ، والفطحية وغير ذلك ، فعن ذلك جوابان (٦)*.
__________________
(١) * فإن طريقتهم أنهم علموا الدليل الصحيح الدال على المطلوب وما قدروا على تفصيله ، وهؤلاء يستدلون بدليل غير موصل إلى المطلوب الّذي هو القطع بالأصول.
(٢) المعارف.
(٣) * يعني لا يشترط في كونهم مؤمنين وخارجين عن التقليد علمهم بأن الاستدلال بالروايات على شيء إنما يصح بعد المعرفة بالله على ما هو المشهور ، فالاستدلال بها على المعرفة دور وإن كانت متواترة ومشافهة.
(٤) في الأصل : قدرناه.
(٥) * أي فالاستدلال الّذي يتفرع عليه الخطأ في أن ذلك لا يصح أن يكون دليلا إلا بعد المعرفة لا يوجب تكفيرهم لأنه ليس من الأصول.
(٦) * لعل المراد أن الأصحاب مختلفون في الجواب عن ذلك ، وكلام المصنف في آخر الدليل الثاني يدل على أن مرتضاه الجواب الثاني ، وكلامه في بحث العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر يدل على أن مرتضاه الجواب الأول.