أحدهما : أن ما يرويه هؤلاء يجوز العمل به إذا كانوا ثقات في النقل ـ وإن كانوا مخطئين في الاعتقاد (من القول بالوقف) (١) ـ إذا علم من اعتقادهم وتمسكهم بالدين ، وتحرجهم من الكذب ، ووضع الأحاديث ، وهذه كانت طريقة جماعة عاصروا الأئمة عليهمالسلام نحو عبد الله بن بكير (٢) ، وسماعة بن مهران (٣) ، ونحو بني فضال (٤) من المتأخرين عنهم ، وبني سماعة (٥) ومن شاكلهم.
فإذا علمنا أن هؤلاء الذين أشرنا إليهم ، وإن كانوا مخطئين في الاعتقاد من القول بالوقف وغير ذلك ، كانوا ثقات في النقل ، فما يكون طريقة هؤلاء جاز العمل به.
والجواب الثاني : أن جميع ما يرويه هؤلاء إذا اختصوا بروايته لا يعمل به ، وإنما يعمل به إذا انضاف إلى روايتهم رواية من هو على الطريقة المستقيمة والاعتقاد الصحيح ، فحينئذ يجوز العمل به. فأما إذا انفرد فلا يجوز ذلك فيه على حال.
__________________
(١) زيادة من الأصل.
(٢) هو عبد الله بن بكير بن أعين الشيباني ، من الفقهاء الأجلاء ومن الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام ، ومن أصحاب الصادقين عليهمالسلام ، عده الكشي ممن أجمعت الإمامية على تصحيح ما يصح عنهم. وقد عده الشيخ الطوسي في الفهرست (رقم ٤٦٤) فطحيا ، كما ترى تصريحه هنا بأنه كان فاسد العقيدة ، لكن الجميع متفقون على صدقه ووثاقته ، وجلالة قدره ، وكون حديثه بحكم الصحيح.
(٣) هو سماعة بن مهران بن عبد الرحمن الحضرمي ، كان تاجرا للقز ، روي عن الإمامين الصادق والرضا عليهماالسلام وقد وثقه الجميع وصدقوا رواياته برغم أنه كان واقفيا. سكن الكوفة ومات بالمدينة ، وفي سنة وفاته خلاف.
(٤) من البيوتات العلمية الشيعية التي عاشت في القرن الثالث الهجري ، ورأس هذه العائلة الحسن بن علي بن فضال ، كان من العباد والزهاد وممن أكثر من رواية أحاديث أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، ومنهم أيضا أحمد وعلي ابني الحسن بن علي بن فضال. وبرغم أن هذه العائلة كانت فطحية وتعتقد بإمامة عبد الله الأفطح إلا أن الجميع ذهبوا إلى توثيقهم ، وتصديقهم ، وتصحيح رواياتهم. وقيل أن الحسن بن علي استبصر في أواخر حياته وعد رجوعه ضربة قاصمة ومميتة للفطحية.
(٥) من البيوتات العلمية الشيعية في القرن الثالث ، فقد برز فيهم محدثين وفقهاء ثقات منهم الحسن بن محمد بن سماعة ، وصفه النجاشي بقوله : «من شيوخ الواقفة ، كثير الحديث ، فقيه ، ثقة ، وكان يعاند في الوقف ويتعصب».