وليس لأحد أن يقول : إذا عملوا عند سماع هذه الأخبار ولم يعملوا قبل ذلك ، علم أن عملهم لأجلها دون أمر آخر ، ويبين ذلك قول عمر في خبر الجنين : «كدنا أن نقضي فيه برأينا» (١) ، وفي خبر آخر : «لو لا هذا لقضينا فيه برأينا (٢)» فنبه (٢) أنه عدل عن الرّأي إلى ما عمل به لأجل الخبر لا لأجل علمه أو أمر آخر.
وكذلك روى عنه أنه كان ممن يرى المفاضلة في دية الأصابع حتى أخبر عن كتاب عمرو بن حزم أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «في كل إصبع عشرة من الإبل» (٢) فسوى بين الكل ، وفي ذلك إبطال قول من قال جوزوا أن يكونوا عملوا بهذه الأخبار لأمر آخر.
وذلك : أنه لا يمتنع أنهم قبل رواية هذه الأخبار لم يعلموا ، لأنهم كانوا ناسين لذلك ، فلما روي لهم الخبر ذكروا ما كانوا نسوه فعملوا به لأجل الخبر.
فأما قول عمر : «كدنا أن نقضي فيه برأينا» (١) ، فلا يمتنع أيضا أن يكون لما كان نسي الخبر وبعد عهده به أراد أن يقضي برأيه فيه ، فلما روي له الخبر تذكر ما تضمنه الخبر ، فرجع إلى ما عمله ، وأخبر أنه لو لا هذا الخبر الّذي كان سببا لتذكاره كاد أن يقضي برأيه.
وأما رجوعه إلى كتاب عمرو بن حزم في الدية (٣)، فإن كتاب عمرو بن حزم (٤)
__________________
بالأسباب
(١) راجع تخريج الحديث في هامش رقم (٢) صفحة ١١٥.
(٢) في الأصل (فبينه).
(٣) قال ابن قدامة : وفي كتاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعمرو بن حزم «وفي كل إصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل» [المغني ٩ : ٦٣١] وفي سنن الدارمي : حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده «أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كتب إلى أهل اليمن في كل من أصابع اليد والرّجل عشرة من الإبل» سنن الدارمي : كتاب الدّيات ٢ : ١٩٤.
(٤) هو عمرو بن حزم بن زيد الأنصاري ، صحابي ، شهد الخندق وما بعدها ، وكان عامل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على نجران ، توفي سنة ٥١ ه. قال ابن حجر في الإصابة : «روى عنه كتابا كتبه (أي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم له فيه الفرائض والزكاة والدّيات وغير ذلك أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن حبان ، والدارمي ،