تنكر عليهم ، فلو لا أن العمل بها كان صحيحا جائزا ، وإلا كانوا قد أجمعوا على الخطأ وذلك لا يجوز.
والاستدلال بهذه الطريقة لا يصح من وجوه.
أحدها : أن هذه الأخبار التي رووها كلها أخبار آحاد ، والطريق إلى أنهم عملوا بها أيضا أخبار آحاد ، لأنه لو كانت متواترة لكانت توجب العلم الضروري عندهم (١) ، ونحن لا نعلم ضرورة أن الصحابة عملت بأخبار الآحاد ، فإذا لا يصح الاعتماد على هذه الأخبار ، لأن المعتمد عليها يكون أوجب العمل بخبر الواحد وذلك لا يجوز.
ولا خلاف أيضا بين الأصوليين في أن وجوب العمل بأخبار الآحاد طريقه العلم دون الظن ، وأخبار الآحاد قد (٢) دللنا على أنها لا توجب العلم ، فسقط من هذا الوجه الاحتجاج بهذه الطريقة.
والثاني : أنا لو سلمنا أنهم عملوا بهذه الأخبار ، من أين لهم أنهم عملوا بها من حيث كانت أخبار آحاد ومن أجلها؟ ، وما ينكرون على من قال : إنهم عملوا لدليل دلهم على صحة ما تضمنته هذه الأخبار؟ أو قرينة اقترنت إليها أوجبت صحتها؟ أو يكون العامل بها كان قد سمع كما يسمع الراوي ، فلما روي له ذلك تذكر ما كان نسيه ، فعمل به لأجل علمه لا لأجل روايته (٣)؟
__________________
المغني ١٠ : ٥٧٠] ، ورواه أيضا مالك في الموطأ ، والترمذي في كتاب السير ، وابن حنبل ، وأبو داود ، والشافعي.
(١) هذه الإجابة رد على استدلال أبي إسحاق الشيرازي ومن تابعة حيث أقر بأن الأخبار المروية في هذه القضايا أخبار آحاد لكنه دافع عن صحة الطريق إليها بادعائه حصول التواتر المعنوي ، يقول : «هذا تواتر من طريق المعنى ، فإنها وإن وردت في قصص مختلفة فهي متفقة على إثبات خبر الواحد ، فصار ذلك كالأخبار المتواترة في سخاء حاتم وشجاعة علي كرم الله وجهه». [التبصرة : ٣٠٧ ، شرح اللمع ٢ : ٥٩٤].
(٢) وقد دللنا ...
(٣) هذه الإجابة رد آخر على استدلال أبي إسحاق الشيرازي ومن تابعة حيث ادعى أنه لا دليل على أن الذين عملوا باخبار الآحاد عملوا بذلك لأسباب اقترنت بها (التبصرة : ٣٠٧ ، شرح اللمع ٢ : ٥٩٥) ، وحجة الشيخ الطوسي (ره) هي أن مجرد ورود هذه الاحتمالات الثلاث تكفي لسقوط صحة دعوى إنكار الاقتران