وجدنا الصحابة قد عملت بأخبار الآحاد وشاع ذلك فيما بينهم ، نحو ما روي عن عمر أنه قبل خبر حمل بن مالك (١) في الجنين ، وقال : «كدنا أن نقضي فيه برأينا» (٢) ، وخبر الضحاك (٣) في توريث المرأة من دية زوجها (٤) ، وخبر عبد الرحمن في أخذ الجزية من المجوس (٥) ، وكانوا في ذلك بين طائفتين ، طائفة تعمل بهذه الأخبار ، والأخرى لا
__________________
المعتزلة بعد المائة من التاريخ فخالفوا الإجماع في ذلك»!! [الإحكام ١ : ١٠٨ ـ ١٠٧] ، وعلق الشريف المرتضى (ره) على هذا الإجماع ودعوى الضرورة بقوله : «الإمامية تدفع هذه الطريقة وتقول : إنما عمل بأخبار الآحاد من الصحابة المتأمرون الذين يحتشم التصريح بخلافهم والخروج عن جملتهم ، فالإمساك عن النكير عليهم لا يدل على الرضا بما فعلوه ، لأننا كلنا نشترط في دلالة الإمساك على الرضا أن لا يكون له وجه سوى الرضا من التقية وخوف وما أشبه ذلك)!! [الذريعة ٢ : ٦١] ، ثم نقل مخالفة الإمامية ، والنظام ، وأبي علي الجبائي ، ومن تابعهم وجماعة من شيوخ متكلمي المعتزلة كالقاساني للإجماع الّذي ادعوه.
(١) في الأصل (ملك) ، وهو حمل بن مالك بن النابغة الهذلي ، أبو نضلة. صحابي نزل البصرة ، ويقال : إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان قد استعمله على صدقات قومه ، أي هذيل. وقد روى ابن حجر في الإصابة عن الطبراني وأبي نعيم : «أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أتي بامرأتين كانتا عند رجل من هذيل يقال له حمل بن مالك فضربت إحداهما الأخرى بعمود خباء فألقت جنينها ميتا فأتى مع الضاربة أخ لها يقال له عمران بن عويم ، فقضى عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالدية. فقال : يا نبي الله : أدى من لا شرب ولا أكل ولا صاح فاستهل حمله بطل؟ فقال : لا سجع كسجع الجاهلية ، نعم فيه غرة عبد أو أمة ...». ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما والبيهقي في السنن الكبرى [الإصابة ٢ : ٣٨ ، ٥ : ٢٧ ، السنن الكبرى ٨ : ١١٤].
(٢) السنن الكبرى ٨ : ١١٤ ، سنن أبي داود : ٢ ـ ٢٥٦ باب دية الجنين ، سنن النسائي ٨ : ٤٧ ، ولفظ الحديث في مصادر السنة : (لو لم أسمع بهذا ـ بغير هذا ـ لقضينا) ، وفي «المعتمد ٢ : ١١٥» (كدنا نقضي فيه بآرائنا).
(٣) هو الضحاك بن سفيان بن عوف ، يكنى أبا سعيد ، صحابي ، وصف بالشجاعة ، وقيل كان يقوم على رأس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متوشحا سيفه.
(٤) روى الترمذي في سننه : (أن عمر كان يقول : الدية على العاقلة ، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا ، حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كتب إليه أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها) [الجامع الصحيح ٤ : ٢٧ باب ١٩]. ورواه أيضا أبو داود ، وابن ماجة ، ومالك في الموطإ ، وابن حنبل في مسندة.
(٥) روى البخاري بإسناده انه لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخذها من مجوس هجر. [صحيح البخاري : كتاب الجزية والموادعة ، ح ١ ،