وهذه الآية أيضا لا دلالة فيها من وجوه (١) :
منها : ما قدمناه في الآية الأولى من أن هاهنا مواضع كثيرة يجب الإنذار فيها والتخويف ، وإن لم يجب القبول على المنذر ، إلا أن ينضاف إليه أمر آخر ، فكذلك القول في الإظهار.
ومنها : أنه ليس في الآية إلا تحريم كتمان ما أنزله الله تعالى في الكتاب ، وظاهر ذلك يقتضي أن المراد به القرآن وذلك يوجب العلم ، دون خبر الواحد الّذي لا يوجبه.
وليس لأحد أن يقول : فقد قال بعد ذلك : (وَالْهُدى) فيدخل فيه سائر الأدلة.
لأن ذلك لا يصح من وجهين :
أحدهما : أنه قال بعد ذلك (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) فقد عاد الأمر إلى أنه أراد به الكتاب.
والثاني : أنه يقتضي وجوب إظهار ما هو دليل ، ويحتاج أن يثبت أولا أن خبر الواحد دليل بغير الآية حتى يتناوله قوله : (وَالْهُدى) ، فإذا لم يثبت دليل لا يمكن حمل الآية عليه ، وإذا ثبت استغني عن الاستدلال بالآية.
وقد استدل الخلق منهم من الفقهاء ، والمتكلمين (٢) بإجماع الصحابة بأن قالوا :
__________________
الواحد من حيث أن الله تعالى توعد على كتمان ما أنزله ، وقد بينا في أصول الفقه أنه لا يمكن الاعتماد عليه ...»
(١) انظر الأقاويل واختلاف آراء المفسرين حول تفسير وتأويل هذه الآية الشريفة «التفسير الكبير ٤ : ١٨٢ ـ ١٧٩».
(٢) انظر : «المعتمد ٢ : ١١٥ ـ ١١٣ ، التبصرة : ٣٠٥ ، شرح اللمع ٢ : ٥٩٠ ، المنخول : ٢٥٠ ، روضة المناظر : ٩٣ ، الذريعة ٢ : ٥٦ و ٦١ و ٦٣». وقد ادعى ابن حزم الأندلسي ـ فضلا عن الإجماع ـ حصول اليقين والعلم الضروري ، بأن جميع الصحابة أولهم عن آخرهم قد اتفقوا دون اختلاف من أحد منهم ولا من أحد من التابعين على العمل بخبر الواحد ، ولم يكتف بهذا المقدار بل أدخل جميع الفرق والمذاهب الإسلامية في إجماعه يقول : «فإن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يجري على ذلك كل فرقة في علمها كأهل السنة ، والخوارج ، والشيعة ، والقدرية ، حتى حدث متكلمو