من الآيات (١). فقد بينا تأويل الآية الأولى (٢).
فأما قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) فلا يدل على ذلك أيضا ، لأن من عمل بخبر الواحد فإنما يعمل به إذا دله دليل (٢) على وجوب العمل به ، إما من الكتاب أو السنة أو الإجماع ، فلا يكون قد عمل بغير علم ، وإنما الآية مانعة من العمل بغير علم أصلا ، وقد بينا أنا لا نقول ذلك ، لأن من علم وجوب العمل بخبر الواحد فهو عالم بما يعمل به ، فسقط التعلق بهذه الآية أيضا.
وأما (٤) من أوجب العمل به عقلا (٥) : فالذي يدل على بطلان قوله ، أنه ليس في العقل ما يدل على وجوب ذلك ، وقد سبرنا (٦) أدلة العقل فلم نجد فيها ما يدل على وجوبه ، فينبغي أن لا يكون واجبا ، وأن يكون مبقى (٧) على ما كان عليه.
وأيضا : فإن الشريعة مبنية على المصالح ، فإذا لم نجد ما يدل على قبول خبر الواحد في العقل فينبغي أن يكون مبقى (٧) على ما كان عليه في العقل من الحظر أو الإباحة.
__________________
(١) كقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الزخرف : ٨٦ ، وقوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) النجم : ٢٨.
(٢) انظر كلام المصنف عن تأويل الآية صفحة ١٠٢.
(٣) يريد أن يبين أنه لا تنافي بين ظاهر الآية وبين العمل بخبر الواحد بناء على أن الباء في به للسببية (كما هو الأظهر) أو صلة علم ، وعلى الأول ظاهر الآية النهي عن اتباع القرائن المفيدة للظن دون الأدلة المفيدة للعلم ، ومن يعمل بخبر الواحد لا يجب عليه أن يجعل مناط العمل به حصول الظن بمضمونه عن القرائن ، وعلى الثاني ظاهر الآية النهي عن ارتكاب ما لا يعلم جواز ارتكابه جوازا عقليا وأصليا أو جوازا شرعيا وأصليا.
(٤) في الأصل : فأما.
(٥) انظر هامش رقم (٣) صفحة ٩٨.
(٦) السبر : استخراج كنه الأمر. لسان العرب ٦ : ١٥٠.
(٧) في الأصل : مبقيا.