قيل له : إنه ما كان يمتنع أن يتعبد بقبول خبر الواحد في أصول الدين ، كما تعبدنا الآن بقبوله في فروعه ، وإن كان لا بد من قيام الحجة ببعض الشرائع (١)*.
فأما إثبات القرآن ، فإن كان لم يرد (٢) مثل القرآن ، وعلى صفته في الإعجاز ، صح أن يتعبد به ، لأن كونه على هذه الصفة يوجب العلم.
وإن كان ما يرد لا يكون بصفة القرآن في الإعجاز فإنه لا يمتنع أيضا ورود العبادة بالعمل به من غير قطع على أنه قرآن ، مثل ما قلناه في خبر الواحد.
وكذلك ما كان يمتنع أن يتعبد بتخصيص عموم القرآن ، ونسخه بخبر الواحد ، وإن كان لم يقع ذلك أصلا ، لأن الكلام فيما يجوز من ذلك وما لا يجوز ، فليس لأحد أن يقول : أوجبوا العمل به كما أجزتموه ، لأن إيجاب العمل يحتاج إلى دليل منفصل من دليل الجواز.
فأما من ذهب إلى أن العبادة لم ترد به (٣) :
فإن أراد أنها لم ترد به بالإطلاق ، فهو مذهبنا الّذي اخترناه.
وإن أراد أنها لم ترد على التفصيل الّذي فصلناه (٤) ، فنستدل نحن فيما بعد على ورود العبادة به إذا انتهينا إلى الدلالة على صحة ما اخترناه.
وأما من قال : إن العبادة منعت منه (٥) وتعلقهم في ذلك بقوله : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٦) ، وبقوله : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٧) وما أشبه ذلك
__________________
(١) * تصديق النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي يستند إليه باقي أصول الدين بعد إثبات الواجب ، وعلمه ، وقدرته بالعقل.
(٢) ما يرد على مثل القرآن.
(٣) انظر هامش رقم (٢) صفحة ٩٨.
(٤) قال المصنف شارحا مختاره في صفحة ١٠٠ بقوله : «والّذي أذهب إليه أن خبر الواحد لا يوجب العلم ، وأنه كان يجوز أن ترد العبادة بالعمل به عقلا ، وقد ورد على صفة يجوز معها قبول خبره من العدالة وغيرها».
(٥) راجع هامش رقم (٢) صفحة ١٠٢.
(٦) البقرة : ١٦٩.
(٧) الإسراء : ٣٦.