وليس لأحد أن يقول (١)* : إن في العقل وجوب التحرز من المضار ، وإذا لم نأمن عند خبر الواحد أن يكون الأمر على ما تضمنه الخبر ، يجب علينا التحرز منه والعمل بموجبة ، كما أنه يجب علينا إذا أردنا سلوك طريق أو تجارة وغير ذلك فخبرنا مخبر أن في الطريق سبعا أو لصا ، أو يخبرنا بالخسران الظاهر ، وجب علينا أن نتوقف عليه ونمتنع من السلوك فيه ، فحكم خبر الواحد في الشريعة هذا الحكم.
وذلك أن الّذي ذكروه غير صحيح من وجوه :
أحدها : أن الاعتبار الّذي اعتبروه يوجب عليهم قبول خبر من يدعي النبوة من غير علم يدل على نبوته ، لأن العلة قائمة فيه وهي وجوب التحرز من المضار ، فأي فرق فرقوا في ذلك فرقنا بمثله في خبر الواحد.
والثاني : أن الّذي ذكروه إنما يسوغ فيما طريقه المنافع والمضار الدنيوية ، فأما ما يتعلق بالمصالح الدينية ، فلا يجوز أن يسلك فيها إلا طريق العلم (٢)* ، ولهذه العلة أوجبنا بعثة الأنبياء ، وإظهار الأعلام (٣)* على أيديهم ، ولو لا ذلك لما وجب ذلك كله.
والثالث : أن خبر الواحد لا يخلو أن يكون واردا بالحظر أو الإباحة.
فإن ورد بالحظر ، لا نأمن أن تكون المصلحة في إباحته ، وأن كونه محظورا يكون مفسدة لنا.
وكذلك إن ورد بالحظر لا نأمن أن تكون المصلحة تقتضي حظره ، وأن تكون
__________________
(١) * لا يخفى أن هذا دليل عقلي على وجوب العمل بخبر الواحد المفيد للظن بحكم الله الواقعي فيما استفرغ الوسع فيه ، ولا يجري فيه الاحتياط الخالي عن الضرر بحيث يعارض سواء كان في الأصول أو الفروع ، وسواء كان في الأمور الأخروية أو الدنيوية ، وتقريره : أن العقل يحكم بأن الإقدام على ما فيه ضرر مظنون قبيح ، فيجب إما تحصيل القطع والعمل بمقتضاه أو الاحتياط إن لم يكن فيه ظن ضرر يساوي ما في ترك العمل بخبر الواحد ظنا وضررا.
(٢) *هذا مسلم بحسب أصل الشرع لوجوب نصب الأنبياء أو الأوصياء المعصومين وهو لطف من الله تعالى ، وأما مع التقية وفقد العلم والاحتياط فالجواز معلوم.
(٣) * أي المعجزات.