المذهب هو المحكي عن أبي علي (١).
والّذي أذهب إليه (٢) : أن خبر الواحد لا يوجب العلم (٣)* ، وأنه كان يجوز أن ترد العبادة بالعمل به عقلا ، وقد ورد جواز العمل به في الشرع ، إلا أن ذلك موقوف على طريق مخصوص وهو ما يرويه من كان من الطائفة المحقة ، ويختص بروايته ، ويكون على صفة يجوز معها قبول خبره من العدالة وغيرها.
وأنا أبتدئ أولا فأدل على فساد هذه المذاهب التي حكيتها ، ثم أدل على صحة ما ذهبت إليه :
أما الّذي يدل على أن خبر الواحد لا يوجب العلم ، فهو أنه لو أوجب العلم لكان يوجبه كل خبر واحد ، إذا كان المخبر صادقا وإلى ما أخبر به مضطرا (٤).
ولو كان كذلك لوجب أن يعلم صدق أحد المتلاعنين وكذب الآخر.
__________________
(١) هو أبو علي ، محمد ، بن عبد الوهاب ، بن سلام الجبائي ، المعتزلي ، يعد هو وابنه أبي هاشم من مشايخ الاعتزال المرموقين وممن ساهموا في تطوير نظريات المعتزلة ، وقد تتلمذ أبو الحسن البصري عليه في البصرة حينما كان على الاعتزال وقبل أن يفترقا ، وإليه تنسب الجبائية ، وتوفي سنة ٣٠٣ ه.
(٢) ويمكن تلخيص أقوال فقهاء الشيعة ومتكلميهم إلى عصر الطوسي بما يلي :
١ ـ عدم الحجية مطلقا ، وإليه ذهب الشيخ المفيد ، لكنه استثنى الخبر المقترن بسبب أو قرينة ، يقول : «لا يجب العلم والعمل بشيء من أخبار الآحاد ... إلا أن يقترن به ما يدل على صدق راويه». راجع : «أوائل المقالات : ١٣٢ رقم ١٣٠ ، التذكرة بأصول الفقه : ٢٨».
٢ ـ جواز التعبد به عقلا لا شرعا ، وإليه ذهب الشريف المرتضى حيث يقول : «الصحيح أن العبادة ما وردت بذلك ، وإن كان العقل يجوز التعبد بذلك» راجع : الذريعة ٢ : ٥٢٨.
٣ ـ التفصيل بين الأخبار ، فبعضها تصح العبادة به شرعا وعقلا ، وهي أخبار الطائفة المحقة لكن بشروط منها العدالة ، وأما غيرها فلا تصح شرعا وإن كان يجوز عقلا ، وهو مذهب الشيخ الطوسي.
(٣) إن خبر الواحد لا يوجب العلم وإن قارنه سبب ، والمراد أنه لا يجوز أن يكون للخبر دخل في إفادة العلم بحيث لو لم ينضم إلى السبب لم يفد ذلك السبب العلم ، لا أنه لا يجوز أن يفيد بعض الأسباب والعلم لما سيجيء من بيان القرائن المفيدة للعلم.
(٤) المقصود من الاضطرار اللابدية ، أي قد يوجب الخبر الواحد علم الإنسان بصحته اضطرارا ، إلا أن اضطراره ليس بمطرد.