كما لو قطع بكون مائع خمرا فشربه فتبيّن انّه ماء نجس أو مغصوب أو نحوهما من العناوين المحرّمة فيتحقّق به العصيان واستحقاق الذم والعقاب.
وما يتوهّم من أنّ العنوان الواقعي الذي صادفه كان مجهولا لم ينجّز به التكليف المتعلّق به ، والعنوان الملتفت إليه المقطوع به لم يصادفه فليس فيه سوى التجرّي مدفوع بأنّ مدار العصيان على التحقيق عندنا في محلّه على مخالفة الحكم الواقعي إلّا أن يكون معذورا في المخالفة بعذر يرتضيه العقل والعقلاء أو بعذر شرعيّ ، ولا نسلّم أنّ مطلق الجهل بعنوان المنهيّ عنه عذر مرضيّ ، ففي المثال المذكور لو اعتذر العبد في شرب المائع المذكور بجهله بالنجاسة مع قطعه بأنّه خمر محرّم لم يقبل منه بحكم العقل والعرف ، ويوضح ما ذكرنا أنّه لو اعتقد كون معصية صغيرة مكفّرة وارتكبه فتبيّن أنّها كبيرة موبقة لا يشكّ أحد في أنّه بحكم من ارتكب الكبيرة في العقاب وأنّه فاسق ، وكذا في سائر الأعذار ، كما لو دخل في مكان يقطع بأنّه يكره على ارتكاب المحرّم فأكره عليه فمثل هذا الإكراه لا يعدّ عذرا للمكلّف وهكذا الاضطرار والنسيان ونحوهما إنّما تكون عذرا للمكلّف إذا لم يقع فيها بمقدّمة اختياريّة ، وإلّا لا تعدّ عذرا ويعاقب على مخالفة الواقع المضطرّ إليه أو المنسيّ أو المغفول عنه أو غير المقدور ، وذلك بعد التأمّل بيّن لا سترة فيه ، ومن هذا القبيل ما لو تخلّف المستطيع عن الرفقة حتّى ترك بسببه الحجّ في وقته فإنّه عاص بترك الحجّ في زمانه وإن لم يكن قادرا عليه حينئذ وليس بمعذور بالعجز عن الحجّ ، لأنّ العجز حصل باختياره.
وما قيل من أنّ العصيان حصل بترك المقدّمة لا ترك نفس الواجب وترك ذي المقدّمة يحصل حين ترك المقدّمة. فيه أنّه كيف حصل العصيان بترك ذي المقدّمة قبل تركه ، وهل هذا إلّا تهافت.
ومن هذا القبيل أيضا قولهم بعدم جواز العمل بالأصل قبل الفحص عن الدليل ، فلو عمل بالأصل كذلك يصحّ عقابه على مخالفة الواقع ولو فرضنا أنّه إن تفحّص لا يجد دليلا ويجوز له العمل بالأصل لأنّ اعتذاره بالجهل بعد الفحص مقبول وقبله غير