وظهورها انتهى كلامه (١).
هذا يؤكّد ما ذكرنا من اعتبار شأنيّة إفادة العلم في موضوع التواتر لا فعليّتها.
والتحقيق أنّ المنكرين لأمثال تلك القضايا المزبورة مختلفون.
فمنهم من لم يحصل العلم بالتواتر لأنّهم لشدّة حبّهم لمعتقدهم وعنادهم للحقّ المخالف لآرائهم وأغراضهم لا ينظرون ولا يجتهدون في معرفة التواتر ، ولا يطيبون نفسا في العلم بخلاف معتقدهم بالنظر إلى ما ربما يحصل منه هذا العلم ، فعدم حصول العلم لهم من جهة تقصيرهم في النظر الواجب عليهم بتتبّع طرق العلم المألوفة التي منها التواتر ، فجهلهم بالقضيّة مستند إلى جهلهم بموضوع التواتر عن تقصير ، وقد يكون من قصور أيضا ، وحينئذ ينكرون التواتر في الخبر.
ومنهم من اطّلعوا على الخبر المتواتر قهرا أو اختيارا لكن لم يحصل لهم العلم لسبق الشبهة الحاصلة لهم عن تقصير أو قصور مع شدّة حبّهم لمعتقدهم وصعوبة اختيار خلاف رأيهم ورأي أسلافهم أو بدون ذلك أيضا.
ومنهم من يطّلعون على التواتر ويحصل لهم العلم أيضا من عند أنفسهم لكنهم ينكرونه عنادا وبغضا للحقّ وترويجا لباطلهم للدواعى النفسانية والأغراض الدنيويّة الدنيّة التي أقلّها عدم تمكّنهم عن رئيس المذهب الذي ينكرونه وأصحابه.
وأكثر من رأيناه منكرا للقضايا المتواترة الدينيّة أو غير الدينية أو وجدناه منكرا من السابقين من القسم الأوّل ثمّ الثالث ثمّ الثاني.
ولا يخفى أنّ المقصود من هذا الشرط هو الاحتراز عن القسم الثاني كما هو ظاهر كلماتهم ، وعدم حصول العلم في القسم الأوّل لعدم العلم بالسبب ، وفي القسم الثالث فقد حصل العلم المطلوب وإنكار الجاحد إنكار صوري لا يقدح في علّية التواتر للعلم والاعتقاد ، ومثل هذه المراتب قد يحصل لمن ينكر المحسوسات
__________________
(١) الفصول : ٢٦٨