هذا مع أنّه استقرّ الاصطلاح على ذلك فلا يقدح دخول بعض ما لم يكن متواترا في مناطه ، وسيظهر أنّ الاصطلاح على ما ذكر في محلّه وهكذا كان المناسب في جعل الاصطلاح.
الثالث : أن لا يكون السامع عالما بالواقعة قبل سماع الخبر ، وإلّا لم يفده إخبارهم للعلم لكونه تحصيلا للحاصل.
ولا يخفى أنّه لا كرامة في هذا الشرط ، بل ساقط من أصله ، لأنّ الخبر المتواتر ما كان من شأنه إفادة العلم بنفسه ، لا ما كان مفيدا للعلم فعلا ، وقد مرّ أن المقصود بيان أنّه من مبادي العلم الضروري كالحسّ والتجربة ألا ترى أنّ الحسّ أيضا قد لا يفيد العلم الفعلي لسبق حصول العلم من سبب آخر ، ويشهد لما ذكرنا أنّهم يسمّون بعض الاخبار متواترا بقول مطلق ولا يلتفتون إلى أنه أفاد العلم لهم فعلا لعدم سبق حصول العلم أم لا ، وهذا واضح بعد التنبيه.
الرابع : أن لا يكون السامع قد سبق إليه شبهة أو تقليد أدّاه إلى عدم الوثوق بالخبر. ذكره جماعة دفعا لما أورد عليهم في دعوى تواتر معجزات نبيّنا وتواتر النصّ الجليّ على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه من أنّه لو كان هذه الأخبار متواترة لكانت مفيدة للعلم بالنسبة إلى المنكرين لهذه الأخبار فاجيب عن ذلك بأنّ المنكرين كانت أذهانهم مسبوقة بالشبهة فلو كانت أذهانهم خالية عن الشبهة أو بذلوا جهدهم في تخلية الذهن أفادهم العلم كالمعتقدين للقضايا المزبورة.
والحاصل أنّ سبق عقد القلب بالشبهة مانع من حصول العلم ، وإلّا فالمقتضى تامّ.
قال في الفصول : والتحقيق أنّ هذا شرط في حصول العلم بالتواتر لا في تحقّقه ، فإنّا نقطع بأنّ الأخبار المذكورة متواترة عند كثير ممّن لا يقول بمقتضاها من الكفّار والمخالفين ، وإن انكروا كونها متواترة لعدم إفادتها للعلم عندهم ، ولهذا نقول : إنّ الحجّة قد تمّت ولزمت في حقّهم ، إذ لا عبرة بشبهة الجاحد ، بعد وضوح مسالك الحقّ